عندنا الآن عجينة تونسية بصدد التخمّر ولا أحد يدري ماذا سيتكوّن منها قريبا...
عندنا جمهور 25 :
* الشباب الذي خرج محتفلا مهسترا عنيفا تلك الليلة لم تكن تعنيه تفاصيل قرارات سعيد... لا يعنيه شيء من تجميد البرلمان وإقالة المشيشي ورفع الحصانة عن النواب... إلا الترجمة العامية الجاهلة لهذه القرارات : سجن النواب جميعا لأنهم كلهم أثرياء وفاسدون ويتنقلون في سيارات فارهة ويبيتون في النزل الفخمة ويحصلون على أجور خيالية وهم السبب في بطالة كل الشباب المسكين... وبغلق البرلمان وسجنهم جميعا سيتمكن سعيد البطل من تشغيل كل الشباب.
هذه هي المعادلة الشبابية تقريبا.. وهي تعبير دقيق عن "ذكاء الشباب التونسي الرهيب".
* مع هؤلاء... نجد نخبا أيضا.. وهي إجمالا نوعان :
1_ يسار مدرسي راديكالي يؤمن بأن منظومة الحكم البرجوازية لا يمكن إزاحتها بالديمقراطية الليبرالية العقيمة التي تتحكم البرجوازية في قواعدها ونتائجها. وأنّ تحالف المصالح واللوبيات الذي تحميه النهضة، ممثلة البرجوازية المحافظة والعملية، وقلب تونس، ممثل لوبيات التهريب، والمشيشي، ممثل برجوازية الإدارة.. هذا التحالف فككه سعيد ليلة 25.. بما يجعل الوقوف في صف سعيّد مهمة تقدمية وإنجاز طبقي ثوري يقتضي الاستكمال الفوري ب"احتواء" سعيد ودعمه بالنظرية الثورية في خطواته القادمة...
النوع الثاني هم من يرون أي خطوة نتيجتها إخراج النهضة من الحكم لا يمكن أن تكون إلا "هدية من القدر".. سواء كانت انقلابا أو تدخلا عسكريا أجنبيا أو زلزالا.. المهم أن يصبحوا على مشهد خالٍ من النهضة.
* سعيّد نفسه : هو خميرة اللامتوقع والغموض والانفعال والغضب والطموح الطوباويى... والعزلة الكاملة. عزلة عن كل مكونات الداخل السياسي تجعله لقمة سائغة لفاعلي الخارج الكثر بكل تقاطعاتهم وصراعاتهم.. وتوحشهم.
الاستنتاج : جمهور سعيد.. بشبابه "الذكي" ونخبه اليسارية والإعدامية يشكل خميرة صالحة جدا لإنتاج "ميليشيات إبادة على الهوية".
ورئيس يستطيع أن يكون نيرونا في كامل سعادته.
نأتي الآن للخمائر المقابلة :
جمهور 26 سبتمبر (مظاهرة أمس) :
* هم أساسا النواة الصلبة للنهضة التاريخية... كهول أساسا... لا يرون العالم خارج فكرة النهضة.. هي حركة عمرهم.. تشكل فيها وجدانهم وعقلهم وعلاقاتهم وإيقاع حياتهم. وبديهي أن لا يرى هؤلاء لا بلادا ولا ديمقراطية ولا سياسة ولا مستقبلا من دون النهضة. والنهضة هي ما هي الآن : شيخ حكيم يرأس البرلمان ويتصل بالعالم لإنقاذ الديمقراطية العربية الوحيدة.. وكل من يخذله وينشق عنه خائن ومفرّق ومثبّط وخادم لأجندة الخصوم الاستئصاليين المشتغلين عند فرنسا. ومن يقرأ تفاعلات كثير من هؤلاء مع المستقيلين أخيرا من النهضة يدرك أنهم مشروع "طائفة" لا حزب سياسي.
خلاصة هذه الخميرة : من دون النهضة.. هذه النهضة.. ليذهب العالم إلى الجحيم.
* في مواجهة الانقلاب (لا سعيّد) نخب أخرى :
_ ديمقراطيون ليبراليون (من مثل نجيب الشابي) صاروا مجهولين كليا تقريبا من الأجيال الجديدة.. ومكروهين من جمهور النهضة وأحزمتها.
خميرة جيدة، ولكنها لا تُرى.. ولا تكفي كل مساحات الفعل الجديد.
_ مثقفون ديمقراطيون ميدانيون... قلة... ينتجون يوميا نصوصا ومفاهيم صالحة للدفاع عن فكرة الديمقراطية. .. ولكن علاقتهم بالجسم الرئيسي للجمهور الحالي للديمقراطية مبنية على سوء فهم متبادل.. وهي ليست أكثر من تقاطع عرضي وجزئي.
هذه خميرة قطيعة وشيكة في أول منعرج قادم.
* وكما سعيّد في الجبهة الأولى... الغنوشي في الجبهة الثانية : هو نقطة الكثافة المادية المثبتة لأن الديمقراطية لا توجد في الجهة التي يقف فيها هو.
الاستنتاج : هذه خمائر صالحة لإنتاج "سيارة فيراري بعجلات خشبية".
في الجبهة البينية.. خمائر سائلة... (اتحاد الشغل علامتها الأبرز.. لأن فيه من كل شيء شيء).
الاستنتاج الأخير :
الخبّاز/العقل الجماعي يجب أن ينجح في توفير وجبة سريعة "وقتية".. وإن غير ناضجة.. من كل هذا...
أو نموت جوعا..