واضح أن الجميع استسلم لحالة العبث والسخف التي أوقعتنا فيها مسخرة 25. لا أجد أبلغ من لفظ المسخرة لوصف لحظة 25.. بكل فاعليها.. بأسبابها وتداعياتها الماثلة :
- رمزها الأول الذي ضحكتُ مع أول ظهور له في الفضاء العام سنة 2012... ثم شعرت بالتعاطف الإنساني معه كأستاذ واجه طلبته لثلاثين عاما بتلك الضحالة الفكرية وتلك اللغة الحجرية وتلك الهأهأة المدمرة للأعصاب.
- من ينتمون بحكم شهائدهم المدرسية إلى النخبة... ومعهم العامة شبه الأمية من شباب مدرسة بن علي.. الذين آمنوا بحماس غريب بأن سعيد عبقري ومفكر سياسي استثنائي ومصلح اجتماعي وأنه "روح الشعب" ورمز "أولاد الحفيانة" (كم أمقت هذه العبارة الحمقاء).
- طبقة الحكم التي هيّأت كل شروط 25 وانشغلت بصراعاتها الحقيرة حول هوامش السياسة في الوقت الذي كان الانقلاب يجهز أمام عيونها. عيونها التي أعمتها مطامع حكم بلاد مدمّرة واستسهال الخوض في الشأن السياسي في سياق تونسي، وعربي، ودولي متفجّر ،ومعقّد.. بما جعلها أدوات في يد لوبيات الفساد من دون وعي منها.. وأحيانا بوعي وبزعم المناورة.
والآن.. بعد أربعة أشهر كاملة من مسخرة 25.. ما زلنا في قلب المسخرة: كل مكونات المسخرة قائمة وتطمع أن تستمرّ.. بنفس الوعي ونفس الأفكار.. ونفس الوجوه.
حتى مشاريع الحلول التي نشأت من خارج، أو على تخوم منتجي المسخرة، لا يمكنها القفز على حالة الوعي العام الكارثي الذي أنتج لنا سعيد والنهضة والقروي، وعبير، وهيكل، وليلى.
البنية الذهنية التونسية مصنع تخلّف كبير... ومسخرة.