من قرأ تاريخ الثورات وحركات التحرّر والإنتفاضات لا يستغرب "القوس السّعدي"! فالردّة قانون اجتماعي نظرًا لبطء الشعوب في استيعاب كلّ جديد. كانت ستكون بقيس سعيّد أو بغيره . فالردّة واحدة والطريق إليها متعدد.
لقد مرّت السنوات العشر بين مقاومتها والتواطئ معها، بين فرض المنجز الثوري و الانحناء للقديمة. بين محطة انتخابية وأخرى كانت الردّة تأخذ مرّة شكلاً حزبيا ومرّة موجةً اعلامية ومرّات تراجعًا من قوى محسوبة على المشهد الثوري.. لم يكن قيس سعيّد إلاّ أبشع أشكالها لأنّها لو جاءت على شكل حزبي أو قوّة صاعدة لهان أمرها علينا فلن تموت السياسة وينتصب "معلّم الانسانية" يحكم بما لا تعقيب عليه.
أسوأ ما حدث في السنوات الآفلات هو ترذيل النضال والمناضلين وقتل هذه القيمة في قلوب النّاس و غدا الحديث عن التضحيات مثارًا للسخرية وانكسرت عزّة الكثيرين. وما حدث من تهميش واتهامات وكسر خواطر جرحى الثورة وأهل الشهداء جعل الجميع اليوم لا يرى جدوى في "الخروج للشارع والمواجهة المشرّفة"!
للردّة عن مسار أشواق النّاس مدًى سوف تبلغه لا محالة بعد أن تستنزف نفسها. والواضح أنّ قيس سعيّد يعيش حالة من "التدمير الذّاتي" لن يستمرّ طويلا لتسقط سردية انقلابه بأسرع مما لو كانت هيمنة حزبيّة. قد يربح معركته السياسية - هذا علي فرض ذلك فالأمر لم يُحسم بعد - ولكنّ المعركة الاجتماعية والاقتصادية ستكون قاصمة.