مساء يوم 09 مارس 2022 و اثر نشرة الأخبار بثّت قناة حنبعل برنامج » وين ماشين » خصّص لعيد المرأة العالمي و قد تحّلت مقدّمة البرنامج الى احد الاسواق الشعبية حيث حاورت عديد النساء سواء منهن اللاتي أتين للتسوّق او اللاتي يجمعن قارورات البلاستيك او اللاتي انتصبن لبيع بعض الواد الغذائية كالحمص المنفّخ أو الفول المنفّخ.
تحدثت مقدمة البرنامج مع عدد من النساء و تبادلت التهاني معهن بمناسبة عيد المرأة العالمي لكنهن لم يغفلن عن تعداد همومهن بسبب العوز وعبّرن عن طلباتهن المتمثلة في الضغط على الأسعار التي مافتئت ترتفع و في توفير بغض المواد الغذائية مثل الفرينة و السميد و الزيت المدعم وغيرها مما تحتاجه الأسرة التونسية.
هي طلبات بسيطة غير عالية السقف تنشد توفير مواد غير معروضة في السواق تحتاجها هؤلاء النسوة إمّا للاستهلاك العائلي او لاستعمالها في إعداد ما يبعنه في السوق كخبز الطابونة التي يفضّلها كثير من المواطنين على إنتاج المخابز او الملسوقة التي يكثر استهلاكها في شهر رمضان الذي تفصلنا عنه ثلاثة اسابيع و الذي تعدّ فيه كثير من النساء من الطبقات الشعبية مواد غذائية مختلفة و تعرضنها للبيع في الأسواق سواء في العاصمة او خارجها .
ان النساء اللاتي تحدثت معهن مقدمة البرنامج هن اصحاب مؤسسات عائلية صغرى يستعن من خلالها على توفير دخل مالي للأسرة لمواجهة تكاليف الحياة اليومية مثل تعليم الابناء و معلوم كراء المسكن و لمواجهة المصاريف الموسمية في رمضان و الاعياد.
طلبت هؤلاء النسوة بسيطة تضمن لهن اذا توفرت و لأسرهن الرزق و ابسط ظروف العيش و هي طلبات لا تختلف في بساطتها كثيرا عن طلبات قدمها لنا فيلم الارهاب و الكباب الذي اتهمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتسبب في خراب البلد لاسيما عام 2011
نحن وفيلم الإرهاب والكباب
مرّت على انتاج الفيلم ثلاثة عقود وهو من تأليف حامد وحيد و اخراج شريف عرفة و بطولة عادل الامام ويسرا وكمال الشناوي وأشرف عبد الباقي وأحمد راتب وعلاء ولي الدين و إنعام سالوسة.
يروي الفيلم قصة يعلب فيه عادل امام دور مواطن يذهب الى مجمع التحرير حيث توجد عدّة ادارات لطلب نقل أولاده الى مدرسة قرب سكناه إلاّ أنّه يصطدم ببورقراطية عقيمة جدا تتمثل في عدم قيام الموظف بعمله المكلّف به إمّا بالغياب أو اذا حضر بمكتبه لا يؤدّي العمل المطلوب منه فرغم تردد المواطن على الإدارة عديد المرأة فانه لم يجد الموظف المكلف بتسليمه الوثيقة الإدارية التي يطلبها و يجد في المكتب موظفا ملتحيا لا ينقطع عن الصلاة في اوقاتها وفي غير اوقاتها و يجد ايضا موظفة لا شعل لها إلاّ ما ليس له علاقة بعملها الاداري .
نفد صبر الموطن فدخل المكتب وخاطب هذين الموظفين بأنه لن يغادر الادارة إلاّ بعد تسليمه الوثيقة الادارية التي يحتاجها فغضب الموظف منه و اتهمه بالكفر و اشتبكا في عراك و علا الصراخ و دخل اعوان الامن للقبض على المواطن و احتدّ الاشتباك بين الجميع و انطلقت رصاصة من بندقية الأمني فترك سلاحه بيد المواطن وفرّ مع زميله له و شاع بين الجميع ان ارهابيا استولى على المجمّع الاداري الذي غادره من قدر على الهروب من المواطنين و الموظفين الذين تدافعوا من شدّة الخوف وسقط بعض على بعض وداسوا بعضهم على البعض .
وجد المواطن نفسه متهما بالإرهاب و باحتجاز مواطنين و قدم وزير الداخلية مصحوبا بقوات الامن وعند حلوله امام المجمع عبّر لمعاونيه عن نيّته للتفاوض مع الإرهابيين للتعرّف على طلباتهم وخاطب بالهاتف المواطن مستفسرا اياه عن طلباته التي كانت الكباب لجميع المواطنين المقيمين معه في المجمع و الذين ساندوه و عبروا عن فرحتهم بهذا الطلب فهم يطلبون وجبة غذاء «كوّيسة » كما يقول المصريون كما طلبت امرأة مسنة علبة دواء غير قادرة على شرائها وبعد الكباب سأل المواطن من معه في المجمع هل لهم طلبات أخرى فلم يجيبوه لأنه ليس لهم من طلبات غير الغذاء.
قال احد النقاد « ان طموح الناس الغلابة والموظفين مش عالي او كبير .. اعلي طموح ليهم هو وجبة غداء كويسة وده سبب فرحتهم العارمة لما البطل طلب من الحكومة تجيبلهم كباب ».
هذا الفيلم اغضب الرئيس المصري أخيرا فوجه له نقدا شديدا . ومن المثير أن ففيلم « الإرهاب والكباب » بحسب الرئيس المصري جعل المواطن خصما للدولة، وليس خصما للسلبية، وأضاف « المفروض نجعل السلبية خصما، المواطن لا يعمل حقا . كان ذلك بمناسبة إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، الاحد 28 فيفري 2022، . «
وأشار السيسي إلى عام 2011 الذي شهد ثورة جانفي ، قائلا « هدوا البلد في 2011، ولولا كرم ربنا، ربنا أفاض علينا، اللي بيروح مش بيرجع ما يذهب لا يعود«.
وجاءت تصريحات الرئيس المصري عند مقارنته بين الوضع الاقتصادي للبلاد وبلدان أخرى مثل فنلندا وسنغافورة، معلقا على ضعف الخدمات في مصر.
وعبّر كثير من رواد شبكات التواصل الاجتماعي بحسب ما أوردته مواقع الكترونية عن خشيتهم من أن يتم منع عرضه على التلفزيون المصري والقنوات الفضائية المصرية، وأن يتحول الإنتاج السينمائي الى ضرب من الدعاية في خدمة النظام حين يظهر المواطن خصما كسولا يتسم بالسلبية. وهي وجهة النظر التي لا ترى من المواطن غير وظيفته كآلة للعمل والإنتاج دون عقل ولا تفكير ولا مطالب .
تلك في المحصلة وجهة النظر المعادية لطموحات المواطن المصرى وخاصة من أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة التي تمثل اغلبية الشعب. فالفيلم يلخص بشكل بسيط وساخر ومباشر معاناة هذا الشعب عبر سنوات طويلة من التهميش وافتقاد الحقوق الأساسية ، ومنها حقه في الغذاء وهو ابسط الحقوق وأكثر ضرورة . ولا نظن ان واقع الشعب المصري قد تغير كثيرا..ولعل ذلك هو الذي يجعل كثيرين من المصريين يعيدون مشاهدة الفيلم فهو رغم مرور الزمن لا يزال راهنا كما لا تزال معاناة المفقرين على حالها .بل لعل ذلك هو الذي أزعج السيسي . فنقده للفيلم لا يكاد يخفي الا قليلا عداءه للثورة وما تعنية من تحول المصري إلى مواطن مشارك في صنع مصيره ورافض لمنطق القمع والاستبداد الذي تمارسه الدولة عليه بدعوى خدمته .
وإذا كان فيلم الإرهاب و الكباب قد أزعج الرئيس المصري لأنه لا يقبل أن يكون للمواطن أي مطالب حتى ولو كانت تتعلق بالغذاء فذلك يجعله خصما للحكومة ، فهل سنسير في تونس نحو منع أي تشك من الوضع الحالي الذي نعيشه والذي لا يبتعد كثيرا عن فيلم الإرهاب والكباب ؟ …قد لا نكون بعيدين جدا عن ذلك مادام الحديث عن السميد والفرينة في تونس قد يحمل الإنسان إلى السجن بتهمة إتيان الأمر الموحش؟