حصيلة اليوم ثلاث عركات منها واحدة تقريبا وصلت للإشتباك بالأيدي! كنت كعادتي في كلّ رمضان أقتني اللّبن في جرّة مخصصة لذلك و أقف في صفّ المخبزة لاقتناء الخبز.. ولا أنكر أنّي "أرمضن" في كلّ مساء وأردّ الفعل بشكل حادّ.. وهذا عيب ورثته عن أبي عليه رحمة الله...! لكن أغلب "عركاتي" كانت تحدث في البيت وأنتهي بالنّدم وطلب العفو حتى تعوّد أهل بيتي بذلك.
اليوم وقفت في صفّ المخبزة الأولى فإذا ب"فرخ" في الصفّ يستدعي إثنين من "الفروخ" ليأخذ بهما كمية أخرى من الخبز فلم أستطع السكوت عندما انتهي توزيع الخبز أمامي. فثُرت وأرعدتُ و أنجزت معركة وحدي في حين انسحب الذين ورائي مستسلمين تاركيني لهذري وهذياني!
ذهبت للمخبزة الثانية وأنا أغلي غيظا.. والجرّة في يدي بلبنها وأنا واقف في صفّ أعوج.. رأيت أحدهم "يتسلحب" فكرهت ذلك.. بدأ توزيع الخبز فإذا ب"المتسلحب" يقف على رأس أحدهم في أوّل الصفّ ويدسّ له مالا في يده و يقف بعيدا منتظرا أن يشتري له.. "ماعادش فيها" وقصدته وأنجزت معركتي معه و ثارت ثائرته و هددته ب"الجرّة" أن أكسرها على رأسه.. تدخّل أولاد الحلال وإلتفت فإذا بالخبز قد انقطع توزيعه وأخذ الجميع نصيبهم إلاّ أنا…
مررت للثالثة وأقسمت أن ألتزم حدودي فلا أكلّم اليوم إنسيًا.. رأيت ثلاثة أولاد يتناظرون غير بعيد فقلت لنفسي :" أستأمن نفسي من غضب" وسألتهم :" أنتم معانا في الصفّ؟" قالوا :" لا".. فعدت إلى مكاني.. وعندما بدأ توزيع الخبز رأيتهم يتقافزون نحو الصفّ فأقسمت أنّي قاتل أو مقتول و صرخت :" أرجع شدّ الصفّ".. امتثلوا رغم أنه لم يساندني أحد..
ما حدث لي اليوم أجزم أنه يحدث كلّ يوم وفي كل الأماكن.. هذا هو " الشعب التونسي العظيم" : يقتنص الفرص مهما كانت سخيفة، تعنيه نفسه ولا شيء غيرها،" صحيح رقعة" حتي وهو يجاهر بالسوء، لا يناصرك على حقّ أبدًا ولو كانت فيه مصلحته، غير معنيّ بأكثر مما يملأ به" طحشه "…
هذا هو الشعب الذي مرّت علي رأسه البورقيبية فرضي به وبها وانقلب عليه وزيره فلم يناصر زعيمه وتركه لمصيره و منحته الثورة فرصة لا تعاد مرّتين فقام يلعنها وديمقراطيتها، ثم انقلب عليه قيس سعيّد فارتضاه..
هذا هو الشعب التونسي العظيم الذي يبيعك في أوّل فرصة يجدها في" طابور الخبز".. هذا هو "الخبزيزت" كما ربّاه بورقيبة…
بقي سؤال حارق :" هل هؤلاء الذين أضع رقبتي بين يدي الحاكم من أجلهم؟!"