أعتبر نفسي "ديمقراطيا" بأتمّ معنى الكلمة!.. إسألني كيف ومتى؟.. بدأت علاقتي بالديمقراطية - التي تعني عندي الإصغاء للمختلف والتفاعل مع "الأطروحة المستبعدة" وبناء جسور مشتركة والقبول بنتائجها ومخرجاتها - منذ أن رأيت في الجامعة" كلٌّ يمجّد دينه" وتعزّز ذلك بتجربة المحتشد فعرفت عدوّي، وترسّخ بالنّظر في الكتب التي تشقّ طريقًا جديدا بما كتبه الحابري وعلي أمليل و العروي ومحمد برادة و محمد بنيس والطيّب تيزيني وأدونيس.. وزدت فاطلعت على بعض ما كتب ميشال فوكو وجاك درّيدا و رولان بارت.. كان هؤلاء وغيرهم أساطين الثقافة في الثمانينات!
أعتبر نفسي "ديمقراطيًا" حين تصالحت مع ذاتي متجاوزًا الأنساق المغلقة والسرديات الكلاسيكية وطوباويات "حجرة سقراط"!.. بهذا عشت دهرًا ألهو بتقليب الفكرة حين كان نظام بن عليّ يفرض علينا صمت العاجز و رضى قليل الحيلة.. ومنذ الثورة لم يكن يعنيني من يحكم، بل كنت مشغولا بالمسار الديمقراطي الذي يعطي للثورة هوية و معنى..
أعتبر نفسي "ديمقراطيا" طيلة العشر الديمقراطيات بما أكتسبته من صبر على المختلف و رغبة صادقة في حماية التجربة من الانحراف فلا أنزعج من تعليقات مخالفة بها قدر من الوقاحة أو من تدوينة مغالطة أحاول بأدبٍ جمّ أن أجادل صاحبها لإخصاب الفكرة أو من رسالة يصبّ صاحبها عليّ جام غضبه فأعتبر هذا من "التأثيرات الجانبية" لتجربة التعايش والتدرّب عليه.
لم أناصر في هذه العشر الديمقراطيات إلاّ "حكومة الفخفاخ" لا لأنها من هندسة أصدقائي فقط، بل لأنها حققت المعادلة العظيمة لتعايش اليسار الاجتماعي و التيار العروبي والاسلام الديمقراطي..وكان هذا يكفيني !!
اليوم، أصبحت " un simple ami " مع الديمقراطية.. لأنّي رأيت من كانوا أجبن من أن يعلنوا مخالفتهم لي يتطاولون كديكة "أهل مرو"!!