عندما تدخل القيروان قادما من الجنوب يعترضك محلّ لبيع المقروض وتقرا على جبين المحل "مقروض القيروان الحقيقي"، تواصل سيرك فيعترضك محل ثانِ وثالث ورابع يحملون جميعا نفس الاسم مع التأكيد جميعا على لفظ "الحقيقي".
انا اكلت منها جميعا واشتريت منها –جميعا- المقروض طيلة ثلاث عقود ولم اجد بينها اي فرق، وفي كل مرة ابتسم واقول في نفسي "زعمه هذا حقيقي حقيقي والا فقط حقيقي"؟ عندما يدعي كل مقارضي ان لديه "الحقيقي" يصبح "الحقيقي" غير موجود، ويصبح مقياس "الحقيقي" هو صاحب المحل لاغير.
اليوم استمعت لاحد الانقلابيين يُعاتِب قيس سعيد على هجرانه له ويقول "الحوار يجب ان يكون مع الوطنيين الحقيقيين"، ابتسمت وتذكرت المقروض وعيسى بن هشام "فعجُبتُ من فصاحته في وقاحته".
لقد كان يرد على قيس سعيد حين قال "لا حوار الا مع الصادقين". ما هو معيار الوطني الحقيقي عند ما يسميه الحبيب بوعجيلة "الشوكمون متاع الانقلاب" (اللي يطرطر بيه الانقلاب)؟ هو –والقول للشكمون حرفيا- "من ساند مسار 25"، هكذا يخرج غرماءه الذي رفضوا الانقلاب من الحوار، ويصبح الحوار هو الشوط الثاني من الانقلاب: هناك اربع "وطنيين حقيقيين" فقط هم الاتحاد، والوطد، والشعب، وقيس .
وحدو ساك. طيب، ماقول مولا الباش؟ قال لا حوار الا مع "الصادقين ". من هم؟ الذين شاركوا في الاستشارة، اي الحوزات التفسيرية، لقد رمى بالشوكمونات جميعا واصبحت الطرطرة تخرج من المحرك مباشرة.
الحقيقة هم رخاص، لقد قال لهم كم من مرة "ما حصل في 25 قمت به وحدي". اما المكتب التنفيذي للاتحاد فاكثر شطارة لان لديه "شكارة" من الشروط : تارة الحوار بين التقدميين وتارة بين الديمقراطيين (ديمقراطي انقلابي) وطورا العشرية السوداء التي سوّدها هو انطلاقا من 2013 بالحوار الوطني.
لا اطيل عليكم: المقارضي الاول الذي اضاف كلمة "الحقيقي" كان يريد اقصاء الحوانيت الاخرى "ماتشروش منهم راهم يغشّوا (مايبيعوش في الحقيقي)، اصبح الامر مثارا للسخرية عندما كثر "الحقيقي"، كذلك يفعل الانقلابييون مع بعضهم ومع الاخرين: "الصادقون" تقصي الجميع باستثناء الحوزات، و"الوطنييون الحقيقيون" تقصي الجميع باستثناء الشعب، والوطد، والاتحاد، وقيس.
انها الكِدية والتحيّل، رحم الله ابا الفتح:
اسكندرية داري –لو قرّ فيها قراري
لكن ليلي بنجد---وبالحجاز نهاري