لم يخرج بافون من الباب الكبير وإنّما ظلّ في البهو الكبير، الذين خرجوا من خرم الباب هم الذين باعوا بلا ثمن، رهنوا كلّ ما لديهم ثمّ خرجوا بيد فارغة والأخرى لا شيء فيها، فشكر الله سعي نبيل ولا شكر ولا بارك في نجاسة الانقلابات التي عافتها حتى الانقلابات.
*نسف هيئة الانتخابات... والآن ماذا بعد؟!
لا شيء ! وحدهم عشّاق الأحلام يتدرّجون مع الوهم، قام بإغلاق مجلس النوّاب.. لا لن يحلّ المجلس.. قام بحلّ المجلس.. يهدّد لكن لا لن يحلّ المجلس الأعلى للقضاء.. حلّ مجلس القضاء... هدّد هيئة الانتخابات.. لا لن يحلّ الهيئة.... قام بحلّ هيئة الانتخابات... وما زال البعض يعيش على الأحلام والإشارات والتطلّعات والمؤشّرات والإشاعات... وقلّة نادرة تعيش الواقع وتسعى إلى علاجه بما تيسّر.
*ما العمل؟
منذ مدّة قلنا دعُونا من عبارات مثل يترنّح.. وانتهى أمره... وأخبار سارّة في الطريق... إنّهم يجهّزون البديل.... دعونا من هذه الخرافات وهيّا نعيش الواقع ونقف على اليابسة ونعترف أنّ المرحلة المقبلة هي مرحلة المبادئ المتجذّرة والنّفس الطويل، وأنّ الصّراع سيدور بين سعيّد المتمترس المتترس بكلّ القوّات الحاملة للسلاح وبكلّ مؤسّسات الدّولة التي جعلها روافد لانقلابه، وبين الميدان الاجتماعي وطموح الجماهير التي تلاشت لكن ما زالت لم تذهب سكرتها ولا هي حضرت فكرتها.
ندرك أنّ المجتمع في عمومه لا يهمّه سعيّد ولا غيره من الأسماء بقدر ما يهمّه الواقع الاجتماعي، فحين يطول العبث وتنحني البلاد أكثر وتستفحل الأزمة وتلوح الكارثة وتتأكّد الغالبيّة أنّها وقعت فريسة لأبشع وأشنع عمليّة طمع جمعي في تاريخ تونس، حينها فقط نتحدّث عن قوّة قادرة نخصّ مؤسّسات الدّولة لتستفيق ومن ثمّ إقناعها بأنّها تسند قطعة خشب خائخة ستجرّها معها إلى محاسبات طويلة ومكلفة.
*والأحزاب والمنظّمات؟
لا يمكن لمشهد حزبي مترهّل مبتور مشتّت الوقوف في وجه مؤسّسات الدّولة المنحازة إلى الانقلاب تحت شعار أخفّ الأضرار وبموجب سياسة الأمر الواقع "الدستوري"، كما لا يمكن لحزب حركة النّهضة وقواعده ومجموعة الشخصيّات الحزبيّة والنّشطاء المتحمّسين إسقاط الانقلاب في المنظور القريب، والمرحلة بالنسبة لهؤلاء هي مرحلة صمود وثبات وترسيخ ثقافة المقاومة المكلفة المبنيّة على التضحيات وليس على المكاسب والمنافع والأضواء..
تقريبا نحن أمام بروفا مصغرة من حقبة بن علي، الحزب الذي سيثبت سيكون قاطرة الانتقال الديمقراطي في جولته الثانية، جولة ما بعد سقوط الانقلاب، كذلك الشخصيات التي ستثبت ستشكل فترينة ديمقراطيّة ما بعد طاعون 25 جويلية.. نحن بصدد ساحة سياسيّة تربتها خصبة وجاهزة لإنتاج مرزوقيّات وغنّوشيّات ونصراويّات وبن سدرينيّات وبن جعفرات.. وتكرار كلّ ماركات النّضال التي ثبتت سنوات الجمر واقتلعت أماكنها عن استحقاق، طبعا مع اختلاف جوهري، فدكتاتوريّة جويلية لن تعمّر كما دكتاتوريّة نوفمبر، ولا تملك النّفس ولا الإمكانيّات ولا حتى العقل في حدوده الدّنيا الذي يمكنه حملها لأبعد من سنتين إلى ثلاث سنوات.
أمّا الهيئات والجمعيّات فلا حديث عنها ولا أدوار تذكر لها، خاصّة المنظّمة الجراديّة التي ستبالغ في التثعلب وتجتهد في قراءة حقيقة الصّورة لتتخندق مع المتغلّب مهما كانت صنائعه المهمّ أنّ لا تكون علاقته بهويّة البلاد وثوابتها جيّدة وتبشّر بخير!
*خلاصة
نهاية طاعون 25 جويلية سيكون من ظهره من داخله من صلبه، من عجزه من كذبه من خرافاته من أفعاله من نتائج سلوكاته.. وليس من المؤسّسات الحاملة للسلاح ولا من هذا المشهد الحزبي الرثّ، الذي تظهر فيه فئة حرّة واقفة منذ فجر 26 جويلية لم تتزحزح، وقوى أخرى مخنّثة تمارس تمنّع البغايا، طفيليّات حزبيّة سياسيّة نبت لحم الانقلاب من زعانفها، تفطّنت إلى قبيح فعلها لكنّها ما زالت تتثاءب وتتكاسل وتتكسّل وتتمطّط وتشترط وتتشرّط..
لذا يجب التأكيد أنّ الانتصار اليوم ليس في إسقاط جريمة جويلية التي ستسقط لا محالة، الانتصار في الصمود الواعي وعدم الارتباك وعدم الانهيار أمام ابتزاز الوقت.. هــا هنا ساحة سياسيّة بصدد تمحيص واختبار وامتحان نخبة ما بعد انقلاب 25 جويلية.
كان الأشتر بن مالك قائد جيش الإمام عليّ حين تلتحم الصّفوف وتهمّ الكتائب بالتراجع، يقرّب بين الميمنة والميسرة والمقدّمة والمؤخرة، ويقدّم رمحه ثمّ يقول: مدّوا معي قدر هذا الرّمح... إذا مدّوا مع ثورة تونس قدر هذا العام.