منذ الثمانينات تحدث هشام جعيط عن "أزمة الثقافة الإسلامية" بما يشبه اليأس. كان مهموما بعجز مجتمعاتنا عن إنتاج التقدم والعقلانية. أكد في أول كتابه استحالة ظهور أمثال ابن خلدون وابن عربي وابن سينا الآن.. في هذا الفراغ العربي المخزي.
كنا نقرأ جعيط بعقل ايديولوجي تبسيطي كسيح.. بل كنا ممتلئين بوهم أننا الجيل الذي سيصنع التقدم... وها نحن نفيق على انهيارات وتراجعات تراجيدية في السياسة، والفكر، والعلم، والقيم.
إليكم معيار بسيط يصلح للقياس :
الدولة الوطنية أنتجت جيلا جامعيا محدود العدد لكن تميّزت من بينه أسماء لها وزن علمي محلي وعربي : هشام جعيط.. محمد الطالبي.. عبد الوهاب بوحديبة.. توفيق بكار.. وأسماء أقل تميّزا ولكنها مقتدرة في مجالاتها.
أذكر أن حوارا في جريدة الرأي أو في 15/21 أو مجلة المغرب كان يشكل حدثا فكريا لافتا. اليوم.. ومنذ أكثر من عقد على الأقل. صار المشهد الفكري الجامعي والفكري عموما مخزيا من حيث الضحالة والسطحية.
حدث ما هو أسوأ كثيرا ممّا استشرفه جعيط..
ترثّثت السياسة بالغزو الشعبوي الغوغائي لها. غزو قضى على الخلفية الفكرية للسياسي باسم حق الشعب في إبداء رأيه وحكم نفسه بنفسه.. وها نحن نشهد أرذل شكل من السياسة.. وحتى أكون دقيقا ومنصفا.. لم يبدأ الأمر مع سعيد.. بدأ الأمر مع اكتساح النهضة للانتخابات 2011 بمليون ونصف صوت أغلبهم من عامة العامة التي لا تفهم شيئا في السياسة..
وفي 2014 التحق بقطار الشعبوية جمهور النداء النسوي في أغلبه. نسوية شعاراتية مخادعة لا ترتقي إلى الرأي السياسي. وفي 2019 برز جمهور ائتلاف الكرامة الماضوي السلفي السطحي الذي قبر كل جهود التجديد في الفكر الإسلامي (على شكلانية هذا الجهد التجديدي).. ثم التحقت عبير بطابور التسطيح.. وللمفارقة تحت شعار التنوير.. لتكتمل حلقة التسطيح والشعبوية الأمية مع جمهور سعيّد.
الخلاصة.. نظرة بانورامية للمشهد السياسي والثقافي العام تونسيا وعربيا (تعميم يحتاج تفصيلا آخر) تجعلنا نخرج بنتيجة بسيطة : المجتمع التونسي والعربي.. كله مسخ.