تابع العديد من التونسيّات والتونسيّين الانتخابات الرئاسية الفرنسية وبصفة خاصة المناظرة التلفزيّة بين المرشّحين للدور الثاني منتبهين إلى الخطر الذي يمثّله أحدُ المرشَّحيْن ومشيدين بكفاءة الاخر وتمكّنه من القضايا الإجتماعية والاقتصادية التي تصبّ في صميم أولويات الشعب الفرنسي.
لكن جزءا من هؤلاء المهتمين بتفاصيل الشأن السياسيّ الفرنسيّ يختار الصمت والإذعان أمام ما تمرّ به تونس من أجواء خانقة ومن تقسيم شعبويّ للمجتمع، بل يجدو التبريرات ويصطنعها لمن لا يجيد التفريق بين المليون والدينار والمليم ! يختارون التبرير على التنديد حتّى بالكلمة في حين أن وطنهم الذي يأويهم هم وأبناؤهم يشارف على الهاوية ويوشك على الإفلاس ! أفلا تحبون لوطنكم ما تحبون لغيره ؟
من دروس الانتخابات الفرنسية أيضا، أن الرئيس الفرنسي المنتخب سارع بإعلان نفسه رئيسا للجميع وكان مستوعبًا أنّ جزءا ممّن انتخبه في الدور الثاني إنّما فعل ذلك لقطع الطريق أمام منافسته، عكس من يتخيّل أن 600000 صوت قد تتحوّل إلى ملايين من أجل عيون كاترين... كما أنّ المناظرة الرئاسيّة الفرنسية تحديدا ذكّرت أنّ الرئيس، مهما كانت شرعيّته الإنتخابية ومهما كان عدد ناخبيه، لا يمكنه بأيّ حال من الأحوال أن يغيّر دستور البلاد، لانّ المشروعيّة التي صدّع "رئيسنا المفدّى" بها آذاننا لا تعني البتّة إلغاء المؤسسات وإعادة رسم الجمهورية وفقا لمزاجه الشخصيّ.
عمليّة إنقاذ تونس وإخراجها من الأزمة لن تأتي بالإذعان والتطبيع مع الرداءة المهيمنة، ولا بالاختيار بين الطاعون أو الكوليرا ولا بالتوافقات المخفيّة والوعود الشعبويّة. إنقاذ هذا الوطن يمرّ حتما عبر الاقتناع بدور كل فرد منّا ومسؤوليته، عبر الإقرار بأهميّة المؤسسات وتفعيل دورها، عبر القبول ببعضنا البعض باختلافاتنا وتنوّعنا. إنقاذ الوطن يبر أيضا عبر نقد ذاتيّ من طرف الجميع، لأنّ الجميع مسؤول (وإن بنسب متفاوتة) عن الوضعية التي نحن إزاءها اليوم والتي جعلت جزءا من شعبنا ينتظر زعيما منقذا ينفرد بالرأي ويلغي الآخر، بل يلغي حتّى المؤسسات التي استشهد من أجل قيامها شهداء بررة في معارك الإستقلال والثورة.
فلنتحلّ جميعا بشيء من التواضع ونتعلّم "الكنس أمام بيوتنا" فإعادة البناء ليست بالأمر الهيّن ولا البسيط، وما دمنا ننتظر المهديّ الذي سينقذ إقتصادنا وبلادنا فسنظلّ نحلم "منامة عتارس".