بعد انسحاب مريب ومهين من السياسة في مرحلة مفصلية مصيرية من تاريخ البلاد (أيام الاستفتاء على دستور الحكم الفردي). يعود أمس في صفاقس في مشهد مثير للشفقة والحزن.. ليلقي، بلهجة يائسة، خطاب نعي :
* نعي الدور المحتمعي التقليدي لاتحاد الشغل. الدور الذي شكّل على امتداد عقود الهوية العميقة للاتحاد ( دور ما فوق نقابي وما فوق سياسي أيضا).
الطبوبي أعلن بوضوح التخلّي عن الدور السياسي القيادي الذي لعبه الاتحاد خلال عشرية انتقال وتجريب ديمقراطي معقّد. وما قاله من كلمات متناثرة لا يترجم عمق المأزق الذي يتخبّط فيه الاتحاد منذ الانقلاب. قال أن الاتحاد لن ينوب الأحزاب في عملها السياسي. لكنه لم يقل لماذا.
لم يقل أن الاتحاد وصله ما يكفي من الرسائل المباشرة ليفهم أن الانقلاب قرّر بحزم طيّ صفحة السياسة في تونس.. ودخل فعليا في محو الأحزاب فما بالك أن يسمح بدور سياسي "وطني" لمنظمة مدججة برهانات السياسة والايديولوحيا. لم يقل الطبوبي هذا، ولكنه قاله بتلميحاته وملامحه المحبطة.
* الأفظع أن الطبوبي نعى أيضا العمل النقابي المطلبي الجزئي. قال حرفيا "معادش انجّمو نفكّو...". الحقوق الدنيا للعمال صارت منّة من أرباب العمل في القطاعين العام والخاص سواء.
والمنشور 20 الذي يلغي عمليا وجود النقابات الأساسية صار أمرا واقعا. (منشور يمنع على مديري المؤسسات التفاوض مع النقابيين إلا بإذن رئيس الحكومة.. الذي لا يأتي أبدا).
هل انتهى الاتحاد حقا.. ونهائيا..!؟
لا طبعا.. الطبوبي حذّر، يائسا أيضا، من انفجار اجتماعي قادم بسبب الجوع سيخرج عن إرادة السياسيين.
هذا أمر وارد جدا فعلا. وسيجد الاتحاد، أو ما سيبقى صامدا من هياكله الجهوية والمحلية الصادقة في إيمانها بحقوق العمال وكرامتهم، والتي تستبطن ميراث الاتحاد الوطني/المجتمعي الذي مثّل سداة الانتفاض الشعبي أيام الثورة.. سيجد نفسه في قلب هذا الحراك.. في غياب شبه كلي للأحزاب في شكلها القديم.
ما دامت المسألة الاجتماعية هي المحرّك الأساسي للسياسة في مجتمعنا، سيظل الانتظام "النقابي" الأوّلي بديلا اضطراريا للتنظيم السياسي الثوري في مجتمع لم ينتج السياسة بعد.
نعم تبا…