التَّعاطي البافلوفي الصِّبياني مع ظاهرة وجريمة تسفير "المقاتلين الإرهابيِّين الأجانب" لتصفية الحسابات السِّياسيَّة بين الأطراف الحزبيَّة والإيديولوجيَّة والمُهستَرين من بعض "الكرانكة" و"الكرنوكات" من محترفي "الاستبلاه" والإثارة و"التَّبويز" يسيء لتونس ويضعف مناعتنا أمام الإرهاب ويسيء لمصداقيَّة الدَّولة وأجهزتها لإنفاذ القانون داخليًّا وخارجيًّا..
ظاهرة وجريمة التَّسفير تخضع لاهتمام وتعاون وتنسيق دولي متصاعد، منذ قرارات مجلس الأمن المتعلِّقة بتحديد "المقاتلين الإرهابيِّين الأجانب" تصنف جديد في الظَّاهرة الإرهابيَّة المعولمة، والَّتي تضمَّنتها قرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة وأوَّلها القرار رقم 1373/2001، وأساسا القار رقم 2178/2014، والقرار رقم 2396/2017.. ووضع القرار رقم 2178 لسنة 2014 تعريفًا للمقاتلين الإرهابيين الأجانب، ودعا الدول الأعضاء إلى تعزيز سُبل التصدِّي لهم، وَفقَ ثلاث مسارات إجرائيَّة: القوانين الجنائية، والجزاءات/العقوبات، والتَّدابير الوقائية.. فيما اهتمَّ القرار رقم 2396 لسنة 2017 بمخاطر المقاتلين الإرهابيين العائدين من مناطق النزاع، بينما ركَّز القرار رقم 2178 على المقاتلين الإرهابيين الأجانب المتَّجهين إلى الخارج.
كما اعتمدت الجمعيةُ العامَّة للأمم المتحدة في 8 سبتمبر 2006 خُطةً إستراتيجية لكافحة الإرهاب، بما فيه معالجة ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، كنهج مشترك لمكافحة الإرهاب، يقوم على أربعة أركان متضامنة:
معالجة الظروف المؤدِّية إلى انتشار الإرهاب، منع الإرهاب ومكافحته، بناء قدُرات الدول على منع الإرهاب، وتعزيز جهود منظمة الأمم المتحدة في هذا الشأن، وضمان احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون..
كما رعت الأمم المَتَّحدة وبالأخص عبر مكتب مكافحة الجريمة والمخدّرات عددا من البرامج الدُّوليَّة والإقليميَّة والقُطريَّة لمحاربة الظَّاهرة، بالإضافة إلى الأفرقة المختصَّة لمجلس الأمن ولمختلف وكالات الأمم المُتَّحدة وبرامجها..
كما خصَّصت الأمم المتحدة مؤتمرا دوليًّا لمكافحة سفر الإرهابيين في مقر الأمم المَتَّحدة بنيويورك المتحدة سنة 2019..
وتخصَّصت المنظمة الدولية للطيران المدني "إيكاو، أوواسي" (OACI/ICAO) كوكالة مختصة للأمم المتحدة بتوفير شروط أمن الطيران وتسهيل حركة الركاب كأولويات هامة ومتبادلة في قطاع النقل الجوي، وبالأخص في منع سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب: بالاسترشاد بقرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة وبالقواعد والتوصيات الدولية الواردة في الملحق التاسع من اتفاقية شيكاغو لسنة 1947 والمتعلقة بالنقل الجوي، لتسهيل سفر الركاب ولتحسين أمن السفر،
وتحديد مسؤولية الحكومات فيما يتعلق بتسهيل النقل الجوي وأولويات الأمن..
وقد ركز مؤتمر 2019 لمنع سفر "الإرهابيِّين المقالتين الأجانب" على دعوة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تطوير قدراتها على جمع ومعالجة وتحليل بيانات سجلات أسماء الركاب (PNR) وتقديمها إلى السلطات الوطنية المختصة لديها، وتبادل بيانات سجلات أسماء الركاب بين البلدان للتمكن من اكتشاف المسافرين الذين يشكلون مخاطر عالية مع تيسير الأمر في الوقت ذاته بالنسبة للمسافرين الذين لا يشكلون خطرا، وعلى وجوب مواكبة جهود الأمم المتحدة في هذه المجالات بالتزامات فعلية من جانب الدول من أجل سد جميع الفجوات و تحقيق الأهداف المنشودة..
علما وأن المنظمة الدولية للطيران المدني أحصت 26 دولة فقط تطلب سجلات أسماء الركاب.. فهل تونس من بينها؟؟؟
كما أنَّ 68 دولة فقط من بين أعضاء المنظَّمة (وهم 193 دولة) لديها قاعدة بيانات بشأن "المعلومات المسبقة عن الركاب" (API) الَّتي نصّ عليها قرار مجلس الأمن رقم 2178 لسنة 2014.. فهل تونس من بينها؟؟؟
كما أنَّ الإيكاو وضعت قاعدة قياسية خاصة بالمعلومات المسبقة عن الركاب في الملحق التاسع (التسهيلات) بـ"اتفاقية شيكاغو" دخلت حيِّز النَّفاذ وأصبحت واجبة التطبيق منذ فيفري 2018.. فهل طبَّقتها تونس؟؟؟
وهل تتعاون تونس مع "فرقة العمل الخاصة بقاعدة الإيكاو القياسية عن سجلات أسماء الركاب"؟؟؟ ومع الآليَّات المختصَّة بمكافحة ظاهرة "المقاتلين الإرهابيِّين الأجانب" الَّتي أنشأها "مجلس الأمن"؟؟؟ وما الشُّرطة الدُّوليَّة "انتربول"؟؟؟ ومع "برنامج الأمم المُتَّحدة لمكافحة سفر الإرهابيِّين"؟؟؟
مكافحة ظاهرة "المقاتلين الإرهابيِّين الأجانب" و"منع سفر الإرهابيِّين" أكبر من الإيقافات العشوائيَّة الَّتي تحدث هاته الأيَّام في تونس لسياسيِّين وبرلمانيِّين وصحفيِّين ومدافعين عن حقوق الإنسان ورجال أعمال وقادة رأي معارضين، بمجرِّد الوشاية الكاذبة والتَّحريض الهستيري من محترفي سياسة الزَّ ج بأجهزة إنفاذ القانون وبالأخص أجهزة الضَّبط الأمني والقضاء لتصفية الخلافات السِّياسيَّة والإيديولوجيَّة والشَّخصيَّة..
وهي انحرافات وتشوُّهات تسيء للدَّولة التُّونسيَّة ولجدِّيتها ولمصداقيَّتها ولنزاهة وسلامة إجراءاتها في الدَّاخل وفي الخارج، وتساهم في تَتْفِيه وتَشْيِئَة الإرهاب ليصبح أمرا عاديًّ مألوفا، وتشتِّت جهود أجهزة الدَّولة وتخفِّف الضَّغط على الجماعات الإرهابيَّة وتترك الجُناة الحقيقيِّن الَّّذين يمثِّلون خطرا حقيقيًّا أحرار طلقاء، بينما تخطئ الدَّولة الطَّريق لتوظيف التُّرسانة القانونيَّة والإجرائيَّة الوقائيَّة والرَّدعيَّة والعقابيَّة ضدَّ خصوم سياسيِّين بدل توجيهها للمجرمين الحقيقيِّين..