انقسم أصحاب المسار الي فِرق وجماعات لا يُحصيها الا الله، فاصبحنا لا نعرف من هم "اهل الحق'' من الغُلاة والتحريفيين. هذه سابقة في تاريخ الفِرق في المنطقة العربية، حيث غالبا ما كانت تظهر الفرق والمِلل والنِّحل عند موت صاحب الدعوة، الا اننا إزاء انقسامات بينما صاحب الزمان على قيد الحياة. لدينا الفرقة "اللينينية" والفرقة "الناصرية" نسبة لمولانا سرحان الناصري، ولدينا الفرقة "الفاطمية" والفرقة الشفترية و"البديدية" والفرقة "الشعبية"..
يبدو ان الفرقة الشعبية هي باطنية 25 وذلك لأني سمعت احد مشايخهم يقول "الامر يتعلق بالمسالة التأويلية لحدث 25"، وانتم تعلمون ان التأويل هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر والذهاب الي معناه الخفي، هكذا تكون "الشعبية" هي بمثابة الصوفية قياسا باهل السنة والشيعة: للنص القرآني معانِ تُخفيها الالفاظ التي تقف عندها افهام الجمهور وتعتقد ان المعنى الظاهر للفظ هو المعنى الباطن للنص.
هكذا تُخرجُ الفرقة الشعبية بقية الفرق المسارية من الادراك العميق "للحظة 25" وتقذفُ بها في خانة اهل الظاهر. غير ان الفرقة الشعبية قد تفوقت على الصوفية في خُصلة لم يسبقهم لها لا ابن عربي ولا الحلاج ولا ابن الفارض، فهؤلاء جميعا لم يقولوا ابدا ان صاحب الدعوة لم يفهم الدعوة او انه قد حاد بها وانهم احرص منه عليها، كما لم يدّعِ واحد منهم بانهم شريك لصاحب الدعوة في تحديد المعنى.
اما شيوخنا من "الشعبية" فقد بلغوا مراتبا من العِرفان وفتح الله قلوبهم على الاسرار وتعبير الاحداث بان قالوا -بعد شهور من الانتظار اعتكفوا فيها في انتظار دعوة الداعي - "قيس سعيد لست وحدك". وهذه أية أخرى على باطنيتهم التي لا تطالها افهام الجمهور: فلا يذهبنّ في ظنك ان المقصود "قيس سعيد نحن وراءك" او " الجميع يساندك"، وانما المقصود " نحن شركاؤك فانزلنا منازلنا". لقد كان ذلك ردا على خطبة صاحب الدعوة بعد غزوة البرلمان حيث قال -عليه من الله ما يستحق –" لقد قمت بهذا الامر وحدي".
تظهر باطنية الفرقة الشعبية بشكل أوضح في حديثهم عن "ثورة 25" التي "خرج فيها الشعب"، فاذا قال بعض الزنادقة والعملاء الذين يستقوون بالخارج والذين يُنكرون الكرامات وما فتحه الله على عباده الصالحين: "اننا لم نعثر على اثر لهذه الثورة، ولم نجد فيديو لمسيرة في الشارع بها مائة شخص، ولم نسمع ابدا بثورة بدات وانتهت وانتصرت في ساعات.." حينها يرد شيوخنا -زادهم الله من الحكمة – " وايّده بجنود لم تروها و جعل كلمة الذين كفروا السُّفلى وكلمة الله هي العُليا". سبحانه يؤتي الحكمة من يشاء.
ولا يذهبن في ظنك ان شيوخنا قد شقوا عصا الطاعة وخرجوا عن صاحب الزمان -تعالوا عن ذلك علوا كبيرا-، وحتى حين نصّب هو الحكومة واختار وزراءها الذين يجتمع بهم يوميا ويوجههم ويشدد ويندد ويأمر وينهى، فانهم لا يقولون بانه فاشل، وانما "الحكومة فاشلة". هم "يساندونه مساندة نقدية" و"يريدون انقاذ المسار من قيس سعيد نفسه"، وهذا ليس جديدا في التاريخ، فقد كان البوذييون احرص من بوذا على البوذية، وحدثنا احد الافرجة وهو المسمى بجورج بالاندييه ان بعض القبائل الافريقية تقتل مشعوذيها اذا خرجوا عن تعاليمهم الاولى.
كل هذا ليس اشكالا. الاشكال في عبارة "نتمسك بمسار 25"، هنا نخرج من الباطنية والتصوف ونذهب -بمشيئة الله- الي الغٌنوصية، هنا لا تثريب على من لم يفهم، فالله قد فرق الافهام كما فرّق الارزاق. فالمسار طريق، له نقطة بداية وهدف أخير وزمان معلوم نقطعه بين "المنطلقات" والغايات" وهناك "أسلوب" في بلوغ الهدف. هناك مضمون معلوم للمسار وفي كل مرحلة يعلن على ماذا تحقق وما الذي بقي؟
ونحن نتفهّم اخوتنا الإعلاميين الذين لم نرهم قط قاطعوا مشايخ "الشعبية" حين يقولون "مسار 25" وسألوهم عن مضمونه او هدفه او اين نجده لنطلع عليه ونعرفه، هل هو في نُسطورية رضا لينين ام في مزامير شفتر ام في طلاسم سعيد ام في ابتهالات زهير ام شكاوي سامي؟ لقد كانت "وثيقة قرطاج" التي دخل في حلفها الباجي والاتحاد ومشايخنا اكثر وضوحا، فهي على كل حال نص مكتوب وله مضامين سياسية واقتصادية، صحيح ان الوثيقة كانت مجرد حيلة ليتخلص الباجي من الصيد، ولم يشارك فيها شيوخنا الا من حرصهم على المصلحة الوطنية، فقد جاءت الوثيقة بالشاهد الي السلطة، وهذه من مأثر شيوخنا جازاهم الله لقاء ما يعملون.
يبلغ اصحابنا درجة الحُلولية والذوبان في الحق والاستشهاد من اجل الواحد الجوهر الفرد حين نعلم ان من اوكد تعاليم صاحب الزمان هي القضاء على الأحزاب ،واصحابنا حزب، وهذه ليست المرة الأولى التي يذوب فيها العاشق في المعشوق والمريد في الشيخ، فرغم ان المجلس الذي عزم صاحب الدعوة على انشائه ليس له أي دور فان شيوخنا عازمون على الحضور فيه.هكذا لا يذهب اصحابنا الا الي الامام دوما، وكلما اوغلوا في السير في المسار الذي لا يسير الا وعظمت الاوزار وثقلت الموازين. انها الحكمة والوعي وبعد النظر.