منذ أن فتحت عينيّ على الدنيا في هذه الجزيرة، أعرف أن ماء "سبالة الحاكم" غير مخصص للشرب الآدمي. نغسل به الماعون ونسقي به النبات والحيوان ونخلط به مواد البناء، ولا نستحم به إلا اضطرارا. كل سكان الجزيرة يشربون من الفساقي والمواجل. ومن لا يملك فسقية يشرب من فسقية جاره، فإن كان على خصام مع جاره ينجده الأبعدون، فلا يحتاج أحد ماء الحاكم المالح والمرّ والثقيل كصاحبه.
اليوم حدثت المعجزة. تدفقت مياه عذبة من حنفيات الحاكم إياه. لم أصدق الخبر حتى تذوقت بنفسي. بمناسبة القمة عذّب الحاكم ماءه المرّ دفعة واحدة. ولأول مرة في تاريخها، عرفت قنوات مياه الجزيرة ملمس ورائحة وطعم الماء العذب. وأتخيل تماما دهشتها التي تفوق دهشتي بالتأكيد. فأنا لست مندهشا تماما. لأنني أتوقع من عقلية المستعمَر الذليل المستَلب المتشرّب للعبودية في طبقات لاوعيه، أتوقع منه أكثر من هذا.
بعد القمة، سيستعيد ماء الحاكم مرارته وملوحته وثقله وتقاليده القديمة في الانقطاع أوقات الحاجة إليه.
بهذا السلوك الرسمي النموذجي في التذلل للمستعمر، والذي بلغ حدّ تغيير الطبيعة، نؤكد نهائيا أننا قادرون على تجديد عبوديتنا إلى ما لا نهاية.
ألف تب…