أمضينا سنوات من العمل المشترك في مركز أبحاث،ونشترك معاً في مناقشة موضوعات سياسية. لم أسمع منه حرف “لا” أبداً لمدير مركز الدراسات في أي رأي من آرائه، بل كل ما يفعله هو تأكيد أهمية ما تفوه به المدير.لقد نشأ ومارس مهنة (النعم)في حضن الديكتاتور، فنسي المسكين اللاء.
جاهل لم يقرأ سطراً واحداً مما كتب الراحل، وراح يدافع عنه، ويورد القصص الكاذبة التي اخترعها الراحل دون أي تمحيص نقدي عقلي. تناقشه في مشكلة فلسفية، ويرد عليك بقال فلان من الفلاسفة، ولا يملك سوى العنعنة. هذه أنماط مواقف نطلق عليها الإمعية. فما هي الإمعية؟
يقول المعجم العربي في شرح “إمعة”: الإمعة من يقول أنا معك ولا يثبت على شيء لضعف رأيه.
وهو المقلد في الدين، ويروى عن الرسول العربي قوله: لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تُحسنوا وإن اساؤوا لا تظلموا”.
لا شك بأن المعنى المعجمي المجرد يتعين بأشكال متعددة من الإمعية، لكن ماهية الإمعي تكمن في صفة الخنوع المصلحي، أو الخنوع الصادر عن الخوف، أو الخنوع المؤسس على التبعية العمياء. وكل الأحوال هذه تمدنا بالصفة الجوهرية للإمعة ألا وهي الخنوع موقفاً.
والفعل تأمّع. والإمعة كلمة أصلها إمّع وزيدت التاء للمبالغة، وجمع إمع إمعون، وجمع إمعة إمعات.
ونحن جعلنا من أصل الكلمة مصطلحاً يجب إغناء مبحث النقد به، وهو الإمعية. والإمعية تبعية ذهنية لآخر، تبعية قد تكون زائفة أو صادقة.
والإمعية بوصفها ذهنية تتعين على أشكال متعددة، كما قلنا، فتختلف صور الإمعات باختلاف الأسباب والشروط.
ويمكن أن نحدد هذه الأشكال على النحو الآتي:
1-الإمعات الكاذبة:
وهي الإمعات التي تظهر في النظم الدكتاتورية، وكلما كانت النظم الاستبدادية أشد استبداداً كانت الإمعية الكاذبة أوسع. والإمعية الكاذبة ليست سوى ترديد الخطاب الاستبدادي وخطاب المستبد الأرأس، بل وتدافع عن الخطاب كما لو إنه خطابها دون قناعة بالخطاب ومنتجه. هذه الإمعات هي في الغالب إمعات انتهازية ذات مصالح مرتبطة بنظام الاستبداد. فتحملها مصالحها على لعب دور الإمعات. ومعظم السنة الذين اشتغلوا مع الجماعة الحاكمة في دمشق ويشتغلون هم من هذا الصنف.
2-الإمعات الصادقة:
وهي الإمعات التي تنتمي بحق إلى المتبوع، وهي على ثقة بأهميته، وتعتقد بصواب أقواله وسلوكه. وهي ليست مرتبطة بالمصلحة فقط بل بالعصبية التي تجمعها مع المتبوع. وجميع الحركات الأصولية الدينية والدنيوية تولد هذا النمط من الإمعات. وإلى هذا النمط تنتمي إمعات حزب الله وأنصار الله وداعش والبكداشية والأسدية وما شابه ذلك.
3-الإمعات الخائفة:
وهي التي تتأمع دفعاً للشر وللخوف من مكروه.
وكل أشكال الإمعية مرذولة ولكن أرذلها الإمعات الصادقة والجاهلة. لأنها إمعات عدوانية وشريرة. فيتحجر الإمعة عند فكرة لغيره، ويراها الصواب المطلق، ولم يعد قادراً على سماع ما يخالفها. فإن طرحت فكرتك التي اشتغلت عليها، والمختلفة عما استظهر الإمعي سرعان ما ردك إلى ما استظهر. وهذا يعني بأن الإمعية هذه تبعية حمقاء وخضوع لشكل من أشكال الاستبداد. الإمعة الصادقة، ببساطة لا يفكر، فتتحول الإمعية، والحال هذه، إلى حالة ذهنية. وهذه الإمعات التابعة مدعاة للشفقة لأنها ذات وعي أحمق.
ونقيض الذهنية الإمعية الذهنية النقدية، والذهنية المبدعة، والذهنية الحرة.
وإذا ما اتحدت الإمعية الجاهلة والسعيدة مع العدوانية عندها تتحد صفتا الغباء الذهني والغباء العاطفي معاً، وبرز الشر بأسوأ صوره. فاتقوا شر الإمعية وفكروا.