في نظام سياسيّ واضح، إذا اختفى الرئيس لسبب ما وجد أهلُ الحكم في الوثيقة الجامعة/الدستور لهم حلّا مؤقّتا لتسيير شؤون الدولة ولطمأنة المحكومين حتّى يعود المختفي الذي يحكمهم.
في دستور النظام الديمقراطيّ نصٌّ على الجهة التي يُعهَد إليها بتسيير شؤون الحكم حتّى يعود المختفي إلى سالف نشاطه.. لأنّ الدساتير الموزونة يدرك واضعوها أنّ الحاكم بشرٌ يسري عليه ما يسري على البشر فيجعلون بها أبوابا للطوارئ.
وكذلك الأمر في النظام الاستبداديّ الذي يستند إلى نصوص واضحة وإن كان الحاكم المستبدّ لا يلتزم بتطبيقها.. لمّا هرب بن علي وجد التونسيين، في دستوره، من يقوم مقامه.
أمّا في نظام سياسيّ غير مفهوم، فلا وضوح لشيء ولا نصّ في وثيقة يدلّ على طريقة عمل بيّنة في الوقت العاديّ ولا في أوقات الاستثناء. وليس لأحد الحقُّ في أن يعرف سببَ الاختفاء ولا وقتَ الغياب ولا موعدَ الظهور.. ولا تعترف السلطة من أمرها بشيء ولا تفصح عن شيء.
ولأنّ الرئيس هو الدولة ذاتها وإليه مرجع مؤسساتها فليس لك، إذا لاحظت، أيّها المواطن، اختفاءَه، إلّا أن تكتم ملاحظتك وتلتزم صمتك. وكلّ سؤال إنّما هو دخول في منطقة محظورة ممنوع على مواطن محكوم أن يدخلها، وتلك المناطق المحظورة إنّما هي من أسرار الدولة التي تضِنّ بها على المواطنين بلا استثناء.
النظام التسلّطيّ لا دولة إلّا الرئيس نفسه ولا وجود لفرضية أن يختفيَ الرئيس/الدولة.
الدولة هاهنا شمس تشرق على الشعب كلّه في زمان لا تختفي شمسُه، والرئيسُ صحيح لا يمرض وحاضر لا يغيب، لأنّ فرضية مرضه تعني مرض الدولة كلّها وفرضيّة غيابه تعني اختلال جميع الموازين.
بمثل هذا المنطق تحشر السلطة نفسها في العتمة ولا تشرق شمسُها عليها.. الحاكم يعرف كلّ شيء عن المحكومين وليس للمحكومين أن يعرفوا عن الحاكم شيئا.. أشياء الحاكم أسرار وفي الاطلاع عليها خطر على الدولة وتهديد لأمنها.
وينتهي هذا المنطق المُعتِم إلى حقيقة لا يدركها أهل السلطة: الدولة التي يختفي رئيسها وتسيرُ أمورها دونه قادرة على أن تستغنيَ عنه لأنّها تسيرُ من تلقاء ذاتها.
الدولة التي يحكمها حاكم تسلّطي أكبر دليل على أنّ الحاكم الفرد غير ضروريّ،
بل لا لزوم له.