"ألق أعمال هاينريش مان وأرنست غليسر وأريش كستنر في النيران من أجل الدولة والعائلة والتقاليد والعادات". هكذا يجد التخلّص من الكتب دوما ما يبرّره، وهكذا كان " إحراق " الكتب تمهيدا لإحراق العقول، بل إنّ إحراق كتب كبار الأدباء والمفكّرين في العهد النازي حمل شعار : " معا ضدّ السقوط الأخلاقي " ، فتصبح " الأخلاق " الغطاء المناسب لارتكاب الجرائم الأكثر دمويّة.
الخطير في ما يحدث لدينا الآن وهنا أنّ محاولة منع الكتب ( وهو أمر يتمّ خفية وبطريقة ناعمة أحيانا ) تتمّ دوما من نفس الجهة التي تسعى إلى منع التفكير ومنع الحلم.
أجد هذا في إشارة السيدة مديرة المعرض اليوم التي تحدّثت عن " جهة " تسعى إلى افتكاك صلاحيات إدارة المعرض. إنّها " الجهة " الشبح التي لا يقع الإعلان عن هويّتها ولا عن غايتها من لعبة المنع. لعلّها " الدولة " التي هي فوق الدولة أو داخلها، تلك التي تتحكّم في تفاصيل المشهد بكامل الدقّة المريعة.
وكما صمت جلّ الألمان وأساتذة الجامعات والمفكرون زمن هولوكست الكتب عن المنع بل إنّ بعضهم رحّب بالأمر فإنّ المنع هنا لم يعن الكثير من النخبة مادامت " الجهة " لا تعبأ بما يكتبون.
ليست المعركة هنا معركة عادية من أجل حريّة التعبير. إنّها معركة مع بنية سلطة " أمنية " عادت إلى التسلّط وارتكبت منذ عودة تغوّلها أكبر عمليّة إعدام لكتاب على عتبات المسرح البلدي الذي يشهد على ذلك: حرق الدستور. دستور الثورة التونسية.. باسم الشعب.