الفساد منظومة صلب أجهزة الدولة....ولا يمكن مكافحتها إلا بإصلاح المنظومة...وهي كالسرطان في جسمها... ولا يمكن مكافحته طالما ان المنظومة على حالتها...فإيقاف فاسد أو مجموعة من الفاسدين ومحاكمتهم...ليست محاربة للفساد....بل فولكور سياسي شعبوي. لأن المنظومة تنتج مباشرة غيرهم للحلول محلهم...هههه
فالمحاكمات بدعوى مكافحة الفساد في الأنظمة المستبدة تكون دائما لسببين...إما ليتظاهر الحاكم الفردي الشعبوي للشعب الذي يرزح تحت منظومة الفساد بأنه هو وحده القادر على محاربته لضمان موقعه في الحكم...أو لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين بواسطة قضاء موظف من طرفه لصالحه وذلك عادة بتلفيق الملفات ضدهم في محاكمات غير عادلة للتخلص منهم...أو الإثنين معا وكما يقال ضرب عصفورين بحجر واحد…
فالفساد في تونس مثلا نشأ وتطور وتفاقم منذ غداة الإستقلال بسبب إرساء نظام الحزب الواحد والحكم الفردي والإستبداد...فأرسى نظام سياسي زبوني لفائدة منتسبي حزب الدستور والمناضلين الذين كانو من ضمنه زمن الاستعمار أو الذين ادعوا ذلك...ومتعهم على خلاف بقية المواطنين بمنافع الدولة من أراضي وعقارات كان المستعمرون مستحوذون عليها.. .ومن المناصب العليا في الإدارة حتى لو كانو غير مختصين فيها...ومن الرخص الكثيرة والمتنوعة لممارسة النشاط التجاري..الخ... وكان كل ذلك بشرط أن يكونو منخرطون في إحدى الشعب الدستورية…
وتواصل كل ذلك مع بن علي بتغيير بطاقة الإنخراط في التجمع بالبحث الأمني...وأصبح الفساد لا ينتفع به فقط التجمعيين...ولبعض من أحزاب الديكور لبن علي...وإنما خصوصا عائلته والعائلات المقربة منها..حتى أنه لما قرر بن علي بطلب من صندوق النقد والإتحاد الأوروبي خصخصة جزء كبير من القطاع العام لفائدة الخواص بدعوى تنشيط الإقتصاد...ذهب جزء كبير من الشركات العمومية والأراضي الدولية إليهم...رغم عدم خبرتهم بنشاطاتها...فأفلس الكثير منها!!!
وهذا كله تسبب في طرد جماعي بالجملة لعشرات الآلاف من العمال والموظفين فيها..قبل تخصيصها أو بعده...فحمل بن علي جزءا من غرامات الطرد الواجبة قانونا...لصندوق الضمان الإجتماعي!! ولا لأصحاب تلك الشركات العمومية المخصخصة لفائدة هؤلاء الفاسدين من عائلته و"شوشوواتها" كما كان يقال عنهم...خلافا لما تقول مجلة الشغل التي تلزم الشركة والمشتري الجديد الذي يحل محل الدولة بدفع التعويضات ... أي انه حمل الاجراء في باقي القطاعات بدفع جزء منها من مساهمتهم في الصندوق.. والباقي لا حق للمطرودين فيه !!!
وهذا فساد كبير...نظمته وأشرفت عليه السلطة آنذاك ولا زالت آثاره نتهدد صرف جرايات المتقاعدين لحد اليوم.. وتجسم ذلك أيضا في تلك الحقبتين...من الحكم الفردي بإرساء مؤسسات تخضع كلها للحاكم الفردي...إما مباشرة أو عن طريق ازلامه…
ومنظومة قانونية تنظمها...وتنظم عملها قوانين واوامر وقرارات وزارية ومناشير تخضع حق التمتع بالحقوق لأصحاب القرار في الإدارة...مما شجع على ابتزاز المواطنين...حتى أنه أصبح من العادي جدا أن تسمع منهم في حياتك اليومية أو المهنية أسئلة مثل "شكون تعرف بربي في الإدارة أو الوزارة الفلانية" أو ان يدخل عليك حريف في مكتبك وبعد بسط مشكلته يقول لك "اللازم لازم يا أستاذ" ويعني دفع عمولة لصاحب القرار لتمكينه من حقه ...ويكون عليك عندئذ إما أن ترفض الدفاع عنه أو ان تقول له بأنك تعمل بالقانون ومن له حق يناضل من أجله وانت ستسعى لذلك...وان هذا المسار لا يؤدي عادة إلي نتيجة والحال انك تعلم أنه أدى لها في الكثير من الحالات وأنت على علم بها..
وبعد الثورة...بقيت هذه المنظومة على حالها...فلم يغيرها من حكموا...رغم وجود دستوري ديمقراطي يشجع الشفافية ومحاربة الفساد...بوضع مؤسسات مثل سلطة قضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية لا تحتمل وجود "كولوارات" فيها من طرفها...لكنهم تسابقوا لوضعها كل لصالحه...ورغم دسترة هيئة مكافحة الفساد المستقلة المنبثقة عن الثورة فلم يدستروها....ومحكمة دستورية مستقلة من بين صلاحياتها إلغاء القوانين المخالفة للدستور لما تنظم فساد الدولة وأعوانها...فلم يبعثوها والكل كان يعمل ويناور لجعلها غير مستقلة عنه...فلم ترى النور....مما سهل في تعبيد الطريق للإنقلاب على الدستور!!! بل أكثر من ذلك...لقد استغلوا نفس المنظومة الفاسدة... لوضع منتسبيهم في مفاصلها!!
وبعد الإنقلاب على دستور الثورة الديمقراطي... والذي لم يطبق معظمه هؤلاء جميعا…سوى أساسا في الجانب المتعلق بالإنتخابات للتمكن من السلطة عن طريقها...بقيت أيضا دار لقمان على حالها الفاسدة... بل وتفاقمت الوضعية...بالتسميات الكثيرة في هياكل الدولة المنشورة بالرائد الرسمي لتغيير المسؤولين بالمناصرين..
وطبعا بدون تغيير المنظومة الفاسدة رغم سهولة إصدار المراسيم... وهي المراسيم التي اقتصر جلها على تدمير المؤسسات التي تضمن محاربة الفساد مثل مجلس القضاء المستقل... وهيئة الانتخابات المستقلة....وقد كان من أول إجراءات الإنقلاب إغلاق هيئة مكافحة الفساد!!!! ووضع رئيسها في الإقامة الجبرية بدون سبب...وعلى أساس أكاذيب من ذباب شعبوي فاشي فايسبوكي ..و اتضح من بعد انها افتراءات غير موجودة في الواقع...أجبرت صاحب القرار امام الفضيحة العالمية على رفع الإقامة الجبرية عنه...غصبا ا!!!
وهذا المثال الأخير وحده...يثبت أن لا نية حقيقية لمكافحة الفساد...وإنما الهدف كان ولا يزال تسويق خطاب شعبوي يدعي مكافحة الفساد ...في حين أن السعي هو التحكم في منظومة فاسدة لإرساء حكم فردي شمولي...بدونها لا يمكن إرساءه!!!
وفي العالم من لا يعلم...سوى من لا يريد ان يعلم من شعبويون جهلة عن قصد أو بدونه...او الفاسدين منهم... أن الحكم الفردي الذي يشجع الزبونية السياسية ومكافأة الموالين له بالمناصب والمنافع بشرط المساندة السياسية...وينتهك حقوق المعارضين وحتى الذين لا ينتظر من ورائهم دعم ومنفعة سياسية...أن تلك الدول التي يحكمها المستبدون توجد في ترتيب الدول الأكثر فسادا في العالم...وهذا ما تأكده دوريا منظمة الشفافية العالمية..
فحتى الأميين يعلمون ذلك...لما يسمعون ويشاهدون وسائل الإتصال السمعية البصرية!!! ولذلك فإنه ثابت... وهذه ليست وجهة نظر...أن الفساد والإستبداد هما وجهان لنفس العملة الواحدة.. ومن يعلم منكم نظام مستبد في أية دولة كانت... ولا يعمه سرطان الفساد...فليذكره...وهذا جوابي مسبقا... نيات...والو....لا البارحة...ولا اليوم....ولا غدا....ولا في أي مكان...هههه …هههه …
وهذا حتى لو أنه ادعى محاربة الفساد وتدثر بالعلو الشاهق.. فها نحن ننتظر منذ حوالي سنتين...لكننا نسمع طحينا ولا نرى عجينا... هههه… هههه … فبحيث...وحدها الديمقراطية يمكن مكافحة الفساد فيها... وذلك بالسلطات والمؤسسات المستقلة عن السلطة التنفيذية التي ترسيها ضمن هياكل الدولة الدستورية.... والقوانين التي تنزع عن الإدارة سلطاتها التقديرية... يعني تلك التي تكون مضبوطة بقوانين تلزمها بآداء الخدمات للمواطنين على قدم المساواة بينهم…
وبمراقبة قضائيا ناجزة وسريعة وفاعلة عند التصرف في حقوق الناس... وتحمل أصحاب القرارات الجائرة مسؤولية شخصية مدنية وجزائية لما يخرقون ما تلزمهم به القوانين... وبمؤسسات مستقلة تضمن الشفافية بقدر كبير...ويخضع من ينتهك القوانين التي تنظمها للمراقبة القضائية المستقلة عن السلطة التنفيذية...وللمحاسبة التأديبية والمدنية والجزائية.. وبإعلام مستقل واسقصائي تحميه القوانين من جور السلطة التنفيذية ومراكز النفوذ الفاسدة...ويلتزم في نفس الوقت بالأخلاق الصحفية وبقدسية الخبر...وبقرينة البراءة... كما هو الحال في أية دولة ديمقراطية التي هي كلها موجودة بانتظام في أعلى تصنيف منظمة الشفافية العالمية…
وهذه المبادئ هي التي ذهب إليها إجمالا دستور الثورة الديمقراطي في مراميه وأهدافه...وطبعا في انتظار القوانين الأساسية والتطبيقية التي تفعله....والمحكمة الدستورية المستقلة التي تسهر على كل ذلك..الخ…
ولكن شيئا من هذا لم يحصل....
والأنكى ان البعض ممن شاركوا في الحكم قبل الإنقلاب وتقمصوا مكافحة الفساد.....روجوا أنه بتحريك بعض الملفات...قد شرعوا في مكافحة الفساد...هههه … ورغم إني شخصيا لا أشكك في نزاهتهم....لكن مفهوميتهم للموضوع هاش آس...هههه …
وقد ساعد هذا الموقف النشاز من طرفهم في تضليل الرأي العام...فكان شعبويا...ومهد لتنامي الشعبوية... واستغلت تلك النظرة الخاطئة لمعالجة سرطان الفساد... تعلة لأرساء الحكم الفردي...من طرف المنقلب على دستور الثورة...الذي وضع الأسس الدستورية....لمكافحة الفساد!!!
فهذا ما طبقه المنقلب على دستور الثورة الديمقراطي...وأكثر... وذلك بمحاولته إلغاء الدستور...فلم ينل موافقة ثلاثة أرباع شعب لم يريده...على خلاف دستور الثورة الذي نال شبه إجماع الشعب عبر ممثليه المنتخبين في المجلس التأسيسي..
وهذا ..لتعويضه بدستوره الخاص...وبالتخلي فيه على ما ورد به من مؤسسات من دورها مكافحة الفساد في دولة ديمقراطية...من قضاء مستقل ومؤسسات دستورية لمكافحة الفساد مستقلة عن السلطة التنفيذية...الخ....وجعلها مجرد وظائف لدى الحكم الفردي...بدعوى عدم تجزئة الدولة...هههه وهي خرافة بني قاعدي لعلو شاهق مضحكة...من بين خرافات العلو الشاهق في العصر الحديث...هههه …