بعض الأصدقاء من داعمي حرب التحرير الفلسطينية القائمة يستغلون اصطفاف الغرب الاستعماري مع الكيان المجرم ليحتفلوا بانتصار فكرتهم التي طالما نبهونا إليها ولم ننتبه والقائلة بزيف الديمقراطية الليبرالية ومنظومة حقوق الإنسان الكونية.. يرددون بثقة وفخر "ألم نقل لكم أن الديمقراطية كذبة وأن منظومة حقوق الإنسان زائفة؟".
الحقيقة لا أدري ما هو النموذج السياسي الوطني والعالمي الذي يرونه بديلا مناسبا للديمقراطية ودولة المواطنة.
الديمقراطية ومنظومة حقوق الإنسان مكسبان عظيمان أنجزتهما الإنسانية بعد مراكمة فكرية تاريخية طويلة. أن تقوم الرأسمالية الغربية الاستعمارية المتوحشة بتوظيفهما لا يعني أنهما فكرتان منتهيتان. الديمقراطية البرجوازية المزيفة تستهدف الشعوب الغربية نفسها.. وحركة السترات الصفراء التي خلخلت الدولة الفرنسية والحركات المقاومة للعولمة في كل دول الغرب وكثير من المفكرين المناصرين لفلسطين.. كلها دليل على أن الخلل ليس في فكرتي الديمقراطية وحقوق الإنسان بل في النخبة الرأسمالية المجرمة التي تهيمن على مفاتيح الاقتصاد وعلى مؤسسات الحكم والإعلام.
الديمقراطية البرجوازية مزيفة نعم، وهناك في الغرب نفسه من يدعو إلى تقويضها كليا. والطريق إلى تحرير الديمقراطية من هيمنة الاحتكارات المالية ( الفاسدة بالضرورة لأنها تغلّب الربح على أي هدف آخر.. وأهمها العدالة) طويل وصعب، ولكن لا بديل عنه. ولعل تاريخ العمل النقابي كاف للتدليل على اضطرار الرأسمالية إلى تعديل نفسها دوريا.
بالنهاية.. الراديكالية المطلوبة لخوض معركة طرد المستعمر الغربي العنصري تقابلها عندي راديكالية مطلوبة في الإيمان بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان هما ضمانتان استراتيجيتان لحقوق مواطني دولنا المحررة وإنسانيتهم.