العمل البطولي الذي أنجزته حماس الإسلامية الإخوانية بتكبيدها الاحتلال الصهيوني هزيمة مزلزلة عجزت عنها جيوش نظامية عربية خلال عقود، وفي سياق تاريخي استسلمت فيه الشعوب العربية إلى تفوق العدو تكنولوجيا وسارعت فيه الأنظمة نحو التطبيع النهائي مع كيان غاصب،
هذا العمل الاستثنائي الخارق شجع المتدينين على القول ألم نقل لكم أن المعركة دينية خالصة، وأن فلسطين لن يحررها إلا مسلمون إسلاميون معبّؤون بالعقيدة ويخوضون المعركة بحماس ديني لا يرى في العدو الصهيوني سوى دينا نقيضا يريد أن يفتك منه مقدساته، والواجب الديني يفرض عليه الذود عنها.. فينتصر أو ينال الجنة. وأن القوميين والشيوعيين والليبراليين واللادينيين هم في آخر الأمر عبء على الإسلاميين المقاومين الحقيقيين ومن الأفضل أن يصمتوا وينسحبوا ويتركوا المعركة لأهلها.
وفي الجهة المقابلة لمعسكر التدين، فرضت البطولة الحمساوية، والتي غيرت ميدانيا معادلة الصراع وأثبتت عمليا أن العدو يمكن هزمه وإزالته، على معسكر القوميين واليسار واللادينيين تبني هذا الفعل السياسي الاستثنائي "سياسيا" مع التذكير الدائم على الفصل بين الهوية الدينية لحماس وفعلها الوطني المقاوم.
بل أن بعض اليسار اضطرّ إلى البحث عن فتوى نظرية وعاد إلى كراسات لينين ليستشهد برأيه في أن "حركة التحرر الوطني قد تأخذ أحيانا صبغة دينية" (كأنه يقول للأسف). يعني نتسامح ونغضّ الطرف عن دور الدين في حرب التحرير، ونحاربه في مرحلة بناء الدولة.
أما القوميون فاكتفوا بتبني إنجاز حماس دون أن يبدوا استعدادا لإعادة النظر في تصنيفهم لحركة الإخوان حركة خائنة للوطن وموالية للاستعمار والصهيونية. وهو موقف أقل ما يقال فيه أنه دنيء ومخزٍ.
المحصلة تونسيا.. نحن أسرى رؤيتين مسخرتين. فلا تحرير ولا بناء دولة. فقط إعادة طحن التخلف والهزيمة.
تبا.