لم يكن الموقف المصري من العدوان على غزة، إلا دليلا إضافيا ومكملا، على موقف تبلور عندي مع الزمن انطلاقا من الملاحظة والتعمق في النظر، حتى لأعجب كيف كان لمصر أن تؤثر على محيط كامل، عربي أساسا، وليس لها مقومات ذلك. من السياسة إلى الإيديولوجيا إلى الأدب إلى الفن إلى.
في نظري إن ذلك التأثير بالذات كان حصارا، أو نوعا من السجن، الذي حال ويحول دون تقدم هذه الشعوب، بما فيها ويهمنا فيها الشعوب المغاربية، إذ تخلو الدعوات والأفكار والآداب والفنون القادمة من مصر من أي شحنة من التحرر، ومن النزعة الإنسانية، وهذا طبيعي هناك، ولو كان الأمر خلاف ذلك لانعكس على الوضع المصري ذاته، فلا يمكن لشعب يستلذ العبودية أن يهدي أو يعلم الشعوب الأخرى معنى الحرية أو الانعتاق. ولا وجود للأدب الراقي أو الفن الراقي إذا كان خاليا من قيم الأنسنة. تحرروا من الأصنام والأوهام المصرية، ستنفتح الآفاق الرحبة للإنسان فيكم، سندخل التاريخ.
في المقابل، لا اعتبار لنا عندهم، لا يعرفون شيئا أنتجناه، وقد يتحول إلى مسخرة. لا فضيلة لنا، لا آداب، لا فنون، لا أفكار.. نحن عندهم دون البشر وفي أحسن الحالات تلاميذ صغار إلى الأبد.
أعرف أن مثل هذا قد يصدم كثيرين ممن انعجنوا بالإعجاب بمصر واشربوا ما كان يأتي منها، على أساس أنه نماذج ورموز، وهو حقيقة قيود وسلاسل جديرة بالتكسير، مات الأدباء والشعراء والفنانون، ماتت الأفكار والرموز، والتمائم، نحن أكبر مما كانوا يصدرونه إلينا، فنستهلكه ونستزيد منه. التخلف لا يمكن أن يكون قدوة.