لقد انهالت دموعي وأنا أتابع مشهد أبي إبراهيم السّنوار يحتضن بمنتهى المحّبة والإجلال والصّدق أبناء الشّهداء، يقبّل رؤوسهم وأيديهم. لقد همّ أحد الشّباب المكرَّمين بتقبيله على جبينه لكنّه رفض وأقبل على جبهة هذا الشّابّ يلثمها، ثمّ رفع أخته الطّفلة بين أحضانه بزيّها العسكريّ وشالها الفلسطينيّ وبندقيّتها البلاستيكيّة يعينها على امتشاقها في محاكاةٍ رمزيّة لتوجيهها نحو العدوّ. فاستحضرتُ عبارة لمحمود درويش يقول فيها: "نحن أدرى بالشّياطين التي تجعل من طفل نبيّا".
السّنوار يحمل همّا كبيرا في هذه المعركة التي قد تكون الأخيرة بحول اللّه بعد إرغام أنف "إسرائيل في التّراب".
أبناء القسام اعتادوا الاشتغال على جميع الواجهات. لم ينسوْا يوما الجانب الاجتماعيّ في القضيّة فاتّجهوا باستمرار إلى عوائل شهدائهم وظلّوا يحضنون أبناءهم ويرعوْن حاجاتهم واحتياجاتهم، ويعصمون أراملهم اللّاتي لا أبناء لهنّ بالزّواج حفظا لشرفهنّ ودينهنّ…
من هنا يأتي الحضن الشّعبيّ الدّافئ المكين للمقاومة في معاركها مع العدوّ الذي فشلت رهاناته المختلفة على نزوح سكّان غزةّ وترك المجاهدين في العراء رغم ما تكبّده المدنيّون من خسائر غير مسبوقة في تاريخ البشريّة في الأرواح والمنازل والممتلكات بسبب الصّواريخ والقنابل الأمريكيّة المحرّمة دوليّا…
ما لا أنساه عبارة للرّوائيّ الفلسطينيّ إميل حبيبي: "آمنتُ بأنّ هذا الشّعب لا يفنى" !
إنّها معركة استثنائيّة بكلّ المقاييس ستُحبط الكيان اللّقيط ومَن والاه من حكّام الغرب والشّرق وجيوشهم ونفطهم وكيروزانهم وأموالهم ومعلوماتهم الاستخباراتيّة…
إنّها معركة غير مسبوقة فتّحت عيون شعوب العالم المغلّقة عمدا منذ ثمان وأربعين على فضائع وفضائح مروّعة لا تأتيها الوحوش التي في الفلاة.
اللّهمّ ثبّت خطى إخوتنا الأشاوس الأبرار الأخيار الأتقياء الأنقياء في تلك البقعة الصّامدة، وسدّد رميهم، وكن لهم لا عليهم، فقد صدقوا دوننا ما عاهدوك عليه، واعتصموا بحبلك كما لم نفعل نحن الذين جُفّفت ينابع ديننا عقودا فتعلّقنا بتلابيب الحياة وسقط متاعها وغدوْنا نتحرّك كبهائم الأنعام بغرائزنا دون عقولنا وقلوبنا.