" جوّعْ كلبكَ يتبعْكَ"…

مشهد ملك للبحرين في الكرملين وهو يتلكّأ جهلا في وضع سمّاعة التّرجمة على أذنه وتدخّل بوتين لمساعدته بشرح سريع ومبسّط يعيدنا إلى حادثتيْن أخرييْن مخجلتيْن لحكّامنا العرب عبر التّاريخ فيهما ما يُضحك لكنّه ضحك كالبكاء (الثّابت أنّ غيرهما كثير):

بعيدا في الزّمان زار أحد أواخر بايات تونس باريس زيارة رسميّة، ولمّا جيء له بقائمة الأطعمة المقترَحة أرسل يده إلى طُربوش برنسه المتدلّي وراء ظهره يلتقط منه خاتمه (طابعه) وأهوى به على ذيل القائمة اعتقادا منه أنّها اتّفاقيّة ثنائيّة مجهّزة للتّوقيع…

قريبا في الزّمان حضر عقيدُ ليبيا إلى تونس، فوُضعت بين يديه على مأدبة عشائه ورقة تحمل أسماء المعلّبات المائيّة حتّى يختار ما يشتهيه، فتأمّلها ثمّ ردّ قائلا: "النّسوانْ بَعدينْ" ! (بالمناسبة أسماء مياهنا المعدنيّة المعلّبة في أغلبها أنثويّة، فعلامَ نلوم "القائد" ؟!)…

هذه الوقائع قريبها وبعدها تكشف سوء أحوالنا معشر العرب وابتلاءنا بحكّام يجمعون إلى الجهل والتّخلّف الحضاريّ اهتمامات وضيعة يصلون إلى السّلطة من أجلها لا من أجل تنمية بلدانهم وشعوبهم والنّهوض بمجتمعاتهم لتواكب المستجدّات الجارفة في عالم متموّج بجديد العلم والمعرفة. فتُنفَق الموارد، قلّت أو كثرت، على ملذّات الملوك والرّؤساء والسّلاطين وشهواتهم وشهوات أسرهم.

ما نراه من حشود المرضى اللّيبيّين، مثالا لا حصرا، المقبلين على أطبّاء تونس ومصحّاتها يُخجل حقبةً من تاريخ ليبيا الشّقيقة العائمة فوق حقول النّفط المدرارة التي كان بإمكان عائداتها أن تشيّد أرقى المشافي والمصحّات، وأن تؤثّثها بأشدّ الآلات تطوّرا، وأن تدفع إليها بأوفر الأطبّاء والممرّضين خبرةً سواء جيء بهم من الخارج أو استُنبِتوا في مدارس ومعاهد وجامعات محلّيّة متينة ببرامجها وكادرها التّعليميّ ذي الكفاءة العالية من أبناء البلد أو من غيرهم إن استحال ذلك.

منذ أيّام قليلة كنت حاضرة في قاعة انتظار طبيب في مدينة مجاورة حينما سمعت شابّا ليبيّا يُقنع السّكريتيرة بإدخال والدته كتابة العيادة بتعلّة أنّ الطّبيب قد وعده بالدّخول إليه متى حضر لأنّ موعده موعد مراقبة لا فحص، ولمّا اعتذرت احتراما لتراتبيّة المستشفين قال لها بعبارة تنضح النهار لا محلّ له أصلا لو أعمل الله: " الأمر معمول به في كلّ بلدان العالم. نحن معشر اللّيبيّين ذهبنا العلاج حتّى في الهند !" (يا بنيّ، لو أسّس ساستُك القدامى لكم بنية تحتيّة صحّيّة في بلادكم لما احتجتم إلى غيركم في الهند والسّند وفي تونس ومصر وغيرها، فأيّ فَخار هذا؟!)

إنّها، باختصار، الإرادة السّياسيّة المنحرفة، في عالم عربيّ منكوب، تراهن على الجهل والتّجهيل، والفقر والتّفقير، لتثبيت المثل العربيّ الفصيح: " جوّعْ كلبكَ يتبعْكَ".

إنّها الأوطان بما فيها ومن فيها تُسخَّر لمصلحة الأفراد.

Commentaires - تعليقات
ماهر قاصة
25/05/2024 16:40
لا أشكك في الحادثة الأولى أين ملك البحرين عجز عن استعمال جهاز الترجمة أو تركيز السماعة. لكن بالنسبة للحادثة الثانية أشك أن يفكر القذافي أو يلمح إلى علاقة غير لائقة ملاحظته "النسوان بعدين" فهو لا يجرأ على ذلك في تونس وإن عرف عليه التحرش بنساء ضيوفه، حسب شهادة صحفية فرنسية، تحاور معه في طرابلس...
ماهر قاصة
25/05/2024 16:48
فعلا الأوضاع الصحية في ليبيا متهورة جدا خاصة منذ انقلاب 69 الذي قام به معمر القذافي الذي اهدر ثروات البلاد يمينا وشِمالا بين الأسلحة وتمويل حركات المقاومة في العالم. كان بالإمكان أفضل مما كان. يقال ان ملك الإمارات زار ليبيا في عهد الملكي وانبهرت بالبلاد وتمنى لو الإمارات تنجز ا انجزته ليبيا فلنتظر أين الإمارات و ما آلت إليه الشقيقة ليبيا. من المفروض أن ليبيا تكون أفضل من كل بلدان الخليج نظرا للمساحة وجودة البترول فيها وقلة عدد سكانها...
ماهر قاصة
25/05/2024 16:53
فعلا الأوضاع الصحية في ليبيا متدهورة جدا خاصة منذ انقلاب 69 الذي قام به معمر القذافي الذي أهدر ثروات البلاد يمينا وشِمالا بين الأسلحة وتمويل حركات المقاومة في العالم. كان بالإمكان أفضل مما كان. يقال أن ملك الإمارات زار ليبيا في العهد الملكي وانبهر بالبلاد وتمنى لو الإمارات تنجز ما انجزته ليبيا فلننظر أين الإمارات الآن و ما آلت إليه الشقيقة ليبيا. من المفروض أن ليبيا تكون أفضل من كل بلدان الخليج نظرا لمساحة البلاد و وجودة البترول فيها وقلة عدد سكانها...