إقالات السَّاعة الخامسة والعشرين بعد منتصف اللَّيل تطال "ستالين" و"مالك الحزين" دُفعة واحدة..

إقالات السَّاعة الخامسة والعشرين بعد منتصف اللَّيل تطال "ستالين" و"مالك الحزين" دُفعة واحدة.. قبل 141 يوما فقط من نهاية العُهدة الرِّئاسيَّة، إقالة السَّيِّد كمال الفقي المُكنِّي نفسه "ستالين" والسَّيِّد مالك الزَّاهي المُكنَّى من طرف رئيس الجمهوريَّة "مالك الحزين" وزيريْ التَّدابير الاستثنائيَّة للدَّاخليَّة وللشُّؤون الاجتماعيَّة.. إقالتان من الوزن الثَّقيل ليس بدنيَّا فقط، وبعد منتصف اللَّيل والنَّاس نيام في اللَّيلة الفاصلة بين السَّبت والأحد..

يبدو من الوهلة الأولى أنَّ هذا التَّحوير الوزاري الأخير لم يقم على قاعدة تقييم الكفاءة والنَّجاعة، فحكومة الرَّئيس الرَّابعة والثَّانية للتَّدابير الاستثنائيَّة تعجُّ بعديمي الكفاءة والتَّجربة من رئيسها المِيسْيُو لَاغَالْ هَاشَانِي ومديرة ديوانه المَدَام شَاغْفِي الإبنة قهرمانة القصبة وحاكمتها الفعليَّة، إلى الوزير عمَّار للتَّدابير الاستثنائيَّة للخارجيَّة، وهَلُمَّ جرًّا وكسرًا في حكومة أيادي مكسورة وإرادات منكسرة غائبة وتفاهات متورِّمة منتفخة..

بل كان التَّحوير سياسيًا.. فالوزيران المُقالان هما من شقِّ الوُزراء "السِّياسيِّين" أو بالأحرى "المُؤدلجين"، من أنصار الرَّئيس قيس سعيِّد ورفاق درب تأسيس "مشروع" مساره الفوضوي، الأوَّل من أقصى يمين اليسار السّتاليني والثَّاني يتشاطح بين أقاصي اليمين واليسار الدِّيني وبين يسار اليمين السّْتاليني واليسار النَّقابي الجهوي شبكا بتوظيف تاريخ وشبكات والده ولم يعرف له قرار..

فالأوَّل كمال الفقي، شهر نفسه "ستالين"، هو عضو ثالوث "الهياكل التَفسيريَّة المُؤقَّتة" لأقصى اليسار السّتاليني الفوضوي "المجالسي" المُقرَّب من الرَّئيس قيس سعيِّد، ويضمُّ ثالوث "ماركس ، ستالين ، لينين" : سنية الشربطي شهرت نفسه "ماركس"، وزوجها كمال الفقي شهر نفسه "ستالين"، ورضا شهاب المكِّي شهر نفسه "لينين".. وهو الثَّالوث الفوضوي صاحب الملكيَّة الفكريَّة الأصليَّة والحصريَّة لما يُسمَّى بمشروع "البناء القاعدي"، أو بالأحرى الهدم الفوضوي للدَّولة وتقويض أركانها من الدَّاخل، الَّذي أخذه الرَّئيس سعيِّد "سُلفة" فكريَّة و"اتَّخذه" مرجعيَّة لتأثيث برنامجه السِّياسي.. وقد طغى اسمه "ستالين" في الفترة الأخيرة كمرشَّح محتمل في سياق صراع الخلافة.. وكان الوزير الوحيد في حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة الَّذي يُحسب له، إيجابيًّا: حدٌّ أدنى من النَّشاط والحركيَّة الوزاريَّة وتأثيث خطاب سياسي في الدَّاخل والخارج، وسلبيًّا: التَّنظير والتَّبرير للممارسات القمعيَّة الدَّاخليَّة وللتَّحالفات الفاشيستيَّة الخارجيَّة بمفردات خطاب "ستاليني" سلفي تعود ل"الأثر" غير الخالد الَّذي تركه القائد السُّوفياتي منذ سطوته على الحُكم منذ قرن مضى.. بل كان الوزير الوحيد الَّذي "يحجُّ" إليه باقي الوزراء بل وحتَّى مديرة الديوان صاحب القصبة لتعزيز حظوظهم داخل منظومة الحُكم.. وكان الوحيد الَّذي سمح له القصر بهامش من الحُرِّيَّة الوزاريَّة في رسم التَّحالفات الدَّاخليَّة والخارجيَّة، وبالأخص مع وزراء وأجهزة حكومة أقصى اليمين العنصري الإيطالي "المِيلوني"..

أمَّا الثَّاني، مالك الزَّاهي الَّذي شَهَره رئيس الجمهوريَّة نفسه بكُنية "مالك الحزين" عندما اتَّهمه بمعيَّة "ابن آوى" وزيره للتَّدابير الاستثنائيَّة الأسبق للدَّاخليَّة توفيق شرف الدِّين المُقال والمُحال على التَّحقيق وفي مجلس وزاري بمحاولة الانقلاب عليه واختطاف قطعة الجُبن من فمه.. وهو من بين العناصر الرَّئيسيَّة الَّتي أسهمت في فوز الرَّئيس قيس سعيِّد، وصلت حدَّ الضُّلوع في ارتكاب جرائم انتخابيَّة عبر الكتابة على ظُهور الدَّواب قبل دخولها للسُّوق للتَّحيُّل على القانون الانتخابي.. وعل عكس زميله للدَّاخليَّة، لم يُعرف عليه نشاط ولا حركيَّة لا حيويَّة ولا خطاب سياسي بل شعبويَّة اجتراريَّة لبعض تصريحات رئيس الجمهوريَّة وسلوك مَرَضي تجاه منظوريه ورفض حتَّى لتنظيم زيارة واحدة لولاية صفاقس العاصمة الاقتصاديَّة والصِّناعيَّة والاجتماعيَّة للبلاد، بسبب بعض عُقد التَّصابي من أيَّام الدِّراسة الجامعيَّة بها..

وقد قام كلاهُما بتفخيخ الوزارة بالموالاة بدمن بين أنصارها الإيديولوجيّين والجهويِّين..

البُعد السِّياسي لهذا التَّحوير الَّذي استقبل فيه رئيس الجُمهوريَّة المُقالين على غير عادته، يتمثَّل في محاولة استعمال وزيريْه كأكباش فداء، على مرمى 141 من نهاية العُهدة والانتخابات الرِّئاسيَّة الَّتي تُشير كل الدَّلائل لرغبته الجامحة للتَّقدُّم إليها لخلافة نفسه..

الأوَّل "ستالين"، لإلباسه كل الانتهاكات الجسيمة والمتواترة لحقوق الإنسان و، مع تبرير كلِّ "صنائع" وزيرتيه للتَّدابير الاستثنائيَّة للعدل وللخارجيَّة والحفاظ عليهما مؤقَّتا وحمايتهما وإخراجهما إلى حين من دائرة المُسائلة الممكنة طيلة ما تبقَّى من العُهدة في آخر أيَّامها ولياليها.. كما أنَّ إلباس "ستالين" وزير البناية الرَّماديَّة لباس الانتهاكات قد يكون "اللِّباس" المطلوب على القياس لدى "التَّنسيقيَّات" التَّفسيريَّة لمنظومة "الموالاة" ودعاة المُساندة النَّقديَّة داخليًّا في المُحاماة وغيرها وخارجيًّا لدى عواصم الحنين لمواصلة "الحماية" الاستعماريَّة للدِّكتاتوريَّة وما جاورها..

أمَّا الثَّاني "مالك الحزين"، فإلباسه "الفشل الاجتماعي" وفشل "الثَّورة القانونيَّة الاجتماعيَّة"، وانتفاء الحاجة لتمثيل "الشق النَّقابي" داخل منظومة الحُكم بعد التَّهميش المتصاعد للاتِّحاد العام التُّونسي للشُّغل والدَّعم الأعمى وبدون مقابل اجتماعي لبعض قياداته للمنظومة، ومحاولة أخذ مسافة ممَّا يمثِّله من رمزيَّة داخل "الشِّق الإيراني" للمنظومة القائمة، والَّتي أثَّثت أخيرا بعض المقالات في الإعلام الفرنسي بعد زيارة تِهْرَان ومقابلة المُرشد خامنئي شخصيًّا، قد تكون أحد أبرز أسباب إقالته الذَّهبيَّة.. كما أنَّ قرب "مالك الحزين" المعروف أيضا بصفة "صاحب كتيبة الدَّواب" للتَّحيّل الانتخابي، قربه من "مجموعة سليمان" الإرهابيَّة في أواسط العشريَّة الأولى للألفينات رغم يسراويَّته الفولكلورية يجعل منه كبش فداء دَسِم للشِّق اللَّائيكجي ـ الفرنكوفيلي داخل منظومة الحُكم وخارجها في الدَّاخل والخارج.. وهو ما بدا جليًّا في هلوسات "الدِّين والمغازة والدُّستور" في دردشة رئيس الجمهوريَّة الشَّعوبيَّة المُتهافتة المهتزَّة التَّمهيديَّة للـتَّحوير مع وزيرته للتَّدابير الاستثنائيَّة للعدل قبل يوم من إقالات منتصف اللَّيل..

ومن جهة أُخرى، يمكن قراءة تعويض الثُّنائي وبالأخص "مالك الحزين" بموظَّف إداري مجير عام لصندوق التأمين على المرض رغبة في إبعاد أيِّ شبح للمنافسة السِّياسيَّة ولأيِّ ظلٍّ سياسي قد يحجب ظلَّ الرَّئيس القائد، ويمثِّل في نفس الوقت محاولة متأخِّرة للانفتاح على الإدارة بعد التَّململ الَّذي شهدته بعض قطاعاتها بسبب وزراء الصُّدفة والفوضى واللَّاكفاءة..

كما أنَّ ترقية والي التَّدابير الاستثنائيَّة على أريانة لمنصب وزير التَّدابير الاستثنائيَّة للدَّاخليَّة يعيد للأذهان ما كان زمن الرَّئيس المخلوع من استعمال السِّلك كمخبر للولاء وخزَّان للتَّوزير..

ويمثِّل تعيين قاض من "غير المغضوب عليهم" على رأس كتابة الدَّولة للأمن مواصلة "مسار" تطويع القضاء وتوظيفه وإدخاله عنوة "قصور السِّياسة"، عبر التَّرغيب والتَّرهيب، رغم تنبيه رئيس الجمهوريَّة نفسه مجرارا وتكررا كُعرارا من مغبَّة هطا التَّوجُّه بل وتنديده به واعتباره مؤذنا بالخراب..

ويُقرأ استقبال الوزيريْن المُقاليْن بالرَّغبة في الحفاظ على ولائهما وحفظ الحد الأدنى من كرامتهما، عكس الإقالات السَّابقة المُهينة.. بل وحتَّى احتمال تكريمهما بمناصب وامتيازات وثيرة مقابل الخدمات والصَّمت والولاء..

كما أنَّ تعيين كاتب دولة للأمن في السِّياق الحالي يمثِّل تحويرا ثالثا بإبعاد المدير العام للأمن الوطني سعيدان وتحجيما لدور آمر الحرس الوطني الغريبي وطموحاته الرِّئاسيَّة، ويساهم في مزيد إلحاق وزارة الدَّاخليَّة بالقصر الرِّئاسي ووضعها تحت الرَّقابة والإمرة المباشرة لرئيس الجمهوريَّة الَّذي "مَا فَتِئَ يُفْتِي" بأنَّه القائد الأعلى لكل القوَّات المسلَّحة التُّونسيَّة، وليس العسكريَّة منها فقط، بل والأمنيَّة أيضا وأساسا..

وهو "مربط الفرس" في تحوير اليوم 141 الَّي أوحت به وفرضته "الغرف الخفيَّة الخلفيَّة للحُكم"، قبل نهاية العُهدة والاستعداد للاستقواء الأمني استعداد للمبارزة يوم "الميعاد" الموعود في أكتوبر القادم بعد أربعة أشهر ونصف..

حفظ الله تونس من كلِّ مكروه؛


…
,

الصُّورة معبِّرة عن الصَّمت المُخيِّم على التَّحوير والذُّل الَّذي يعلو مُحيَّا المُقاليْن "ستالين" و"مالك الحزين" كمن "يعطي للذُّل "كاره"، وصورة مُهينة لرئيس جمهوريَّة تُذبله الصُّورة حانقا محشورا ذليلا وحيدا في الزَّاوية، وملفَّات مُغلقة فارغة جيء بها للدِيكور كما المِيسْيُو لَاغَالْ هَاشَانِي الرَّئيس الصُّوري لحكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة مُسبل اليدين فارغ الملفَّات مسلوب الإرادة والصَّلاحيَّات.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات