لماذا نحجّ وفينا من يستعذب دماء أهل غزّة وغوْثهم وجروحهم ويتمنّى لعدوّهم النّصر؟

حول الحجّ أُسيلَ، هذه السّنة، حبرٌ إلكترونيّ غزير دفعتْ إليه ظروف حادثة هي حربُ الإبادة الصّهيونيّة الأمريكيّة على غزّة وشعبها الأعزل، والحربُ الأهليّة السّودانيّة الطّاحنة التي تدعمها أنظمة عربيّة قذرة، وما يصلنا من مظاهر غريبة غير معتادة في بلاد الحرميْن حيث أكبرُ تجمّع تعبّديّ في الكرة الأرضيّة سمح حكّام المملكة السّعوديّة الحاليّون باستشرائها بتدبير من تنظيمات غربيّة ضاغطة (الماسونيّة، الصّهيونيّة..) معادية للإسلام تسعى حثيثا لتقويض أركانه، وإضعاف شوكته، وتمييعه في نفوس المنتمين إليه قلبا (دعْك من المنتمين تاريخًا وجغرافيةً)، وتشويه شعائره، وتحويلها في أحسن الحالات إلى مجرّد طقوس وممارسات مُفرغة من محتوياتها ومن روحانيّاتها ومن أسباب قوّتها وقوّة توحيدها لملايين البشر على امتداد المعمورة.

لست أدعو إلى إيقاف هذا الرّكن وتركه، وذلك لأسباب كثيرة منها أنّه واحدة من شعائر الله سبحانه، وأنّ أفئدة المسلمين تهفو إليه برحمة منه بحثا عن أجر وطهارة وتطهير،،، لكنّني أعتقد ، وفي كتابه الكريم ما يدعم اعتقادي، أنّ قضايا الأمّة أولى من هذا الرّكن وممّا يُنفق في سبيله من أموال يحتاجها جريحٌ ومجاهدٌ ومجوَّع ويتيمٌ وأرملةٌ... فبيننا وحواليْنا بلدان عربيّة إسلاميّة منكوبة مكلومة مهمومة يتوجّب الوقوف إلى جانب إخوتنا فيها بكلّ أشكال الدّعم والتّأييد التي أقلّها الدّعاء الذي إن صحّ أنّ سلطات البلد الحاضن لهذه الشّعيرة السّنويّة قد منعته فقد أدركنا الحضيض وأكلنا عن وعي أو غير وعي الطُّعم المُعدّ المهيّأ من لدُن الجهات المذكورة سلفا الواجدة داخل المنظومة الحاكمة في بلاد الملك فيصل رحمه اللّه صدًى واستجابة...

يقول جلّ في عُلاه في سورة التّوبة الآيات 19/20/21/22 : " أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمَن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظّالمين• الذي آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون• يبشّرهم الله برحمة منه ورضوان وجنّات لهم فيها نعيم مقيم• خالدين فيها أبدا إنّ اللّه عنده أجر عظيم".

لنتْركْ غزّة والسّودان وغيرهما من جراح المسلمين النّازفة ونذهبْ إلى تعاطينا مع منسك الحجّ وغيره من العبادات.. فنتساءل:

لماذا نحجّ (دون تعميم) المرّة والمرّة والمرّة. ولا نوفّر الأموال المُنفقة لما / من أشارت إليه بوضوح الآيات الكريمة السّابقة، فضلا عمّا أشارت إليه غيرها من فقير ومسكين وابن سبيل..؟!

لماذا نحجّ (دون تعميم) وقد أكلنا مال هذا، واعتدينا على عِرض هذا، وحرمنا أختا أو أخوات من ميراثها/ ميراثهنّ ؟!

لماذا نوثّق بالصّوت والصّورة طوافنا حول الكعبة كما لو كنّا في ملعب كرة أو غيره من فضاءات الاختلاط المعيشة؟! أين المهابة والخشوع والإجلال والتّوقير ؟!

لماذا نرى هذه الأيّامَ حُجّاجا يزدحمون حول مطعم نُصب قريبا من الحرم يبيع مأكولات عالميّة أصحابها وَالِغونَ في دماء الفلسطينيّين مموِّلون لشراء أسلحة تقتيلهم وترويعهم وتشويه أجسادهم؟!

لماذا نعود من هذا المنسك (دون تعميم)،ولو كرّرناه، كيوم غادرنا بيوتنا إليه لا كيوم ولدتنا أمّهاتنا، فنغوص في ما نُهينا عنه كأنْ لم نؤدّ هذه الفراشة المشروطة بالاستطاعة؟!

لماذا يسمح الواحد منّا (دون تعميم) بأن يؤدّيَ فترة الحجّ أو خارجها عمرة لميّت بطلب من أهله مقابل ألف دينار أو قريب منها يقبضها قبل السّفر؟!

لماذا تُوحّد هذه العبادة فينا الأجسادَ زمانا معيّنا (لست في حاجة إلى تذكيرك بالتّدافع غير المؤدَّب يأتيه البعض استقواء في مكان يلين فيه الحجَر) دون القلوب والضّمائر والمصائر والقضايا الكبرى التي جعلت منّا أمّة تداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكَلة على قصْعتها على حدّ عبارة نبيّنا الكريم؟!

لماذا نحجّ وفينا من يستعذب دماء أهل غزّة وغوْثهم وجروحهم ويتمنّى لعدوّهم النّصر والثّبات؟!

أستدعي بيت المتنبّي من قرون مضت:

هل غايةُ الدّين أن تحفوا شواربكم

يا أمّةً قد ضحكت من جهلها الأممُ؟!

Commentaires - تعليقات
Mounir
20/06/2024 05:35
Je m´excuse mais ce sujet évoque des controverses. AMHA, ce serait mieux de laisser le 5éme pilier de l´Islam tranquile et de s´occuper des autres aspects où l´argent est dilapidé à gogo. Evoquer ce thème à chaque mois "Dhoulhijja" est devenu une manie à ce que je vois.