الرئيس الفرنسي الذي لم يكن مجبرا بعد نتائج الإنتخابات الأوروبية التي أعطت سبقا تاريخيا لأقصى اليمين العنصري على حلّ مجلس النواب و لكنه قرر ذلك بمفرده لخلط الأوراق في تقديره بعد فشل سياساته الإقتصادية و الإجتماعية و تدني مستوى ثقة الناخبين فيه شخصيا. إعتقد بذلك القرار في تجميع أغلبية رئاسية جديدة حوله هربا من أقصى اليمين في الحكم.
و لكن صار ما لم يكن في الحسبان ففي غضون أربعة أيام فقط إجتمعت مكونات اليسار حول جبهة شعبية تذكر بالجبهة الشعبية التاريخية في سنة 1936 و التي فازت في الإنتخابات بقيادة الإشتراكيين ضد اليمين.
إجتمعت أحزاب اليسار و كذلك منظمات المجتمع المدني بمختلف مكوناته تحت يافطة الجبهة الشعبية ببرنامج سياسي يدعو لجمهورية سادسة مع برنامج قطيعة في الخمسة عشر يوما و برنامجا للمئة يوم في الحكم و لم يختلفوا حول الموقف من الوضع في غزة. إجتمعت الأضداد بالرغم من صراعاتها و خلافاتها الجوهرية في بعض المواضيع و أظهرت وعيا سياسيا أربك اليمين و تشكيلاته و والوسط حول الرئيس ماكرون و جعل المشهد السياسي أكثر وضوحا خول ثلاثة أقطاب تكاد : اليمين، اليسار و الوسط الرئاسي مما سيطرح أسئلة عديدة حول قابلية الحكم بعد الإنتخابات التشريعية القادمة فالفرنسيون خلافا لبلدان أوروبية أخرى ليست قابلة لتحالفات بين هذه الأقطاب الثلاث.
بالطبع غلبت الحسابات السياسية و الزعامتية بعضا من مواقف الأحزاب و لكن النقاش في وسائل الإعلام في مجمله يقارن بين برامج الأقطاب الثلاث و فرص نجاحها و واقعيتها بالرغم من تجند نوع من إعلام الأوليقرشيا ضد الجبهة الشعبية للتشكيك في مصداقيتها و إنسجامها و هي تتقدم في ذلك بوجه مفضوح للمتابعين.
ليس هناك دروس لنا في ما يجري .. وعينا السياسي لا يستوعب لأنه لا يزال بدائيا نظرا لغياب أدنى مقومات و مبادئ الفكر السياسي المعقلن لقراءة الواقع و إستشراف المستقبل. ليست لنا قناعة إلى اليوم أن الفكر في مناخ الحرية هو الذي يحدد البوصلة السياسية و الحضارية السليمة.
و ليست لنا القناعة أن الخط الأحمر الوحيد هو المحافظة على الحريات ..كل الحريات فردية و جماعية.