" حَرامِي" ... عبارة كتبتْها بالعبوّة الرّاشّة شرطة غزّة على ظهور فئةٍ من الشّباب مارقةٍ استغلّت وضعَ أهلها في القطاع استغلالا مُقرفا. فبدل أن توظّف عنفوانها لمقارعة العدوّ، أو، في أبسط الحالات، لعملٍ تطوّعيّ مدنيّ يخفّف من معاناة النّساء والأطفال والشّيوخ ويُيسّر لهم وصول الحدّ الأدنى من الغذاء الذي يُقيمون به أَوْدَهم في ظلّ التّجويع الممنهَج الذي تفرضه حكومة الاحتلال الجبانة وجيشها المسحوق في المواجهات المسلّحة مع مقاومين حفاة عراة بتواطؤ مُخزٍ مع إخوة يوسف ، بدل أن يتّخذوا ذلك طريقا راحوا يغتصبون ما توفّر من مؤونة ضئيلة ويحتكرونها ثم يبيعونها بأسعار مشطّة !
ما يعنيني في المسألة هو توظيف أعداء المقاومة ومناهضيها العرب المتصهينين الذين يعيشون بيننا هذه الصُّورَ توظيفا حقيرا تعوّدناه منهم ومِن "حقّهم المراد به باطل" النّابع من وظيفتهم الخسيسة المسخَّرة لأعداء الأمّة يُقوّضون نسيجَها الهوويّ الثّقافيّ الصّميم ويُحطّمون ثوابتَها وخصوصيّاتنا بالوكالة لصالح سلوكات حادثة قادمة من وراء البحر جعلت من قوّتنا ضعفا ومن لُحمتنا فُرقة ومن أخلاقنا الحميدة ممارسات شاذّة منحرفة صرنا بموجبها نسير على رؤوسنا بدل الأرجل.
يا أدعياء "حقوق الإنسان"، ألستم تعيشون في بلدان يصادر حكّامُها بكلّ الوسائل هذه الحقوقَ التي ترفعونها شعارا كاذبا ؟ فلماذا تركتموها وذهبتم إلى هناك ؟! يا أيّها الزّائفون المزيّفون المتلذّذون بالانبطاح للقريب والبعيد المستمتعون بركوبهما ظهورَكم، ما الذي خلّف حفرُكم الوئيد تحت جدران حضارتنا الأمّ غير سلوكات تربأ عن إتيانها بعضُ الحيوانات؟! لقدّ دمّرتم تربيتَنا الأسَريّة والمدرسيّة والمجتمعيّة فغدوْنا نعيش تحت وطأة السّرقة والنّهب المعلَنيْن وغير المعلَنيْن، ونبذل أعصابنا لحماية صغارنا من انحرافات تتعقّد أشكالها وتتنوّع "مارْكاتُها" يوما بعد يوم، ونسمع ما لا يقبله فاقدُ عقل من حالات اغتصاب وقتل واعتداء وقطْع طريق في دول عربيّة إسلاميّة كان تجّارها حتّى زمن قريب يمدّون المكنسة بين طرفيْ أبواب محلّاتهم ويلتحقون بصلاة الجماعة فلا يأتيها آتٍ لأنّ شُرطيَّه الوازعَ النّاهيَ مزروعٌ في دماغه وضميره قبل كتُب قوانينه التي يدوسها اليوم كبيرُنا وصغيرُنا بالحيلة وغير الحيلة…
يا رّكّابَ حصان "الحداثة" الخشبيِّ، لو لم يفعل أهلنا في غزّة ما رأيناه سويّا لَأُتيَتْ ثغورُهم من الدّاخل قبل الخارج. إنّ في هذا الشّعب، كما في كلّ الشّعوب، بَشرًا مجبولين على ضعف الهمّة وانحطاط النّفس وقِصر الرّؤية وموت الضّمير. لقد رأينا منهم متخابرين مع العدوّ أسهموا إسهاما بالغا في تصفية قائدٍ ومجاهدٍ تحتاجهما القضيّة التي تديرون لها أقفيتكم الذّليلة وتُشيحون عنها بوجوهكم الصّفيقة. فماذا عسى أن يُفعَل معهم غير القتل؟ وكيف يجب أن يُواجَه مختطِفو طعام شعب مجوَّع بغير الرّدع (التّشميت والتّعزير) كي يكونوا عبرة لمن تُسوّل له نفسه طعن ظهور أناس يخوضون حربا لا مجال فيها لخطإ بسيط ؟! ألم يقل الخليفة الرّاشد عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه (اعذروا تشويشي ثقافتَكم الحَدَثوتيّة بهذا الاسم والقول !): " يُوزَع بالسّلطانِ ما لا يُوزَعُ بالقرآنِ" ؟!
اتركوا هذا الشّعبَ الذي يستر عوْراتِكم ويُعيد سراويلَكم النازلةَ تحت الرُّكَب إلى خُصوركم وشأنَه كي يًتمّ مهمّته على أكمل وجه. إنّ مهمّته هذه، وإن كانت تُضيع عليكم غنائمكم الحقيرة، فإنّها تُحيي في غيركم من أبناء الأمّة انتصارات قديمة حفَل بها تاريخُنا قبل تقلّدكم خطَّتَكم الوضيعةَ التي أجبرتْكم على الشّعور الكاذب بحال الـ"حرامي" من أجل تشويه أشرف أهل الأرض في هذا العصر البئيس، وأجبرتْني على تحبير هذا النّصّ المزعج المفسد لرلحتكم.