من نحن؟ ما الذي أعددناه كي نساويَ قشّة في خضمّ هذا العالم المتموِّج المحكوم بتقنية تقف وراء إنجازها عقول وجهود وعشقٌ للعلم والمعرفة محمومٌ ؟!
لماذا نلوم مُلّاك "تويتر" و"فايسبوك" وغيرهما من منصّات العالم الافتراضيّ على انحيازهما للدّويلة اليهوديّة الصّهيونيّة المغروسة ورَمًا خبيثا في جسد أمّة "إقرأ" التي لا تقرأ؟!
هل سابقْنا هذا العالَمَ الغربيَّ المنافق الباحث عن مصالحه المحكومَ بلوبي صهيونيّ أخطبوطيّ يصنع الحكّام والسّياسات ورؤوس الأموال في كبريات دوله التي تصل اللّيل بالنّهار من أجل بناء جدُر متينة من العلم والمعرفة والاكتشاف والاختراع حتّى نطلبَ من أصحاب هذه المواقع الالكترونيّة أن تُنصفَنا وتُنصفَ أهلنا في غزّة وعموم الأرض المحتلّة منذ ثمانية وأربعين ؟!
ما الذي نبحث عنه في هذه الشّبكة العنكبوتيّة التي ننخرط في الإبحار فيها كسائر سكّان المعمورة لكنْ لِساعات طِوال على حساب قيمة العمل والعلم والقراءة والتّفكير والإنجاز؟ لا شيء غير ملاحقة الميوعة والشّذوذ والفضائح والتّراشق وتقويض البيوت والابتزاز وانتهاك الأعراض والوشاية و"قتل الوقت" (عبارة عربيّة صميمة لنا دون غيرنا براعةُ اختراعها غير المسبوق قولا وفعلا)…
هل يجوز لنا ونحن النّائمون في العسل منذ قرون، المشغولون ب"الأفراح واللّيالي المِلاح" وب"تدوير الحزام" على دَئّةْ وَحْدة ونُصْ"، الجاعلون من الجنس حكّاما ومحكومين نهايةَ الطّلبِ وغايةَ الأربِ أن نبكيَ اليومَ على وضع هذه المواقع تحت تصرّف العدوّ يلوي بها عُنق الحقيقة ويحجب بواسطتها عين الشّمس في رابعة النّهار؟!
كيف حالُ مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا؟! ما الذي نقدّمه لها وتقدّمه لنا حتّى نفرض وجودنا في محيط عالميّ لا وزن فيه لجاهل وفقير وآكلٍ من وراء البحر؟!
ماذا يساوي علماؤنا وكتّابنا ومبدعونا الحقيقيّون في ضمائر النّاس ونفوسهم عندنا قياسا إلى راقصةٍ ومغنّية ومومسٍ وغلامٍ؟!
كم واحدا منّا يرتاد مكتبةً عموميّة أو يواكب ندوةً علميّة ذات قيمة في مقابل من يتدافعون مُصْطَلين بجحيم شمس الصّيف الملهِبة من أجل مقعد ليليّ لمواكبة سهرة مغنٍّ تعيسٍ تُلقى عليه الملابس النّسويّة الدّاخليّة والأجسادُ "من مرّاكش للبحرين" و"من النّهر إلى البحر" ؟!
أيُّ رأيٍ عامٍّ تصنعه وسائلُ إعلامنا الغارقةُ في الانحراف والتّحريف والتّفاهة حتّى القبّعة المتلوّيةُ مع كلّ ريحٍ، الواقفةُ مع كلّ واقفٍ؟!
كيف نستغرب أن تُلهب أكاذيبُ ناتنياهو الصّريحةُ التي لا تنطلي على البكماوات أكفَّ شقٍّ من أعضاء الكونغرس الأمريكيّ المشتراة ذممُهم بأموال مستكرشي العالم الغربيّ وحتّى العربيّ الموضوعين تحت إمرة "إسرائيل" يدافعون ما تطلب لِمن تطلب، بل كيف يحتجّ صادقُنا وكاذبُنا على ذلك ولوْ وجد الرّجل أغلب برلماناتنا المتاحة له بلا قيد أو شرط ذاتَ قيمة وفائدة وقدرة على تبيضه وتنصيع صورته المسوَّدة بدماء أبرياء غزّة وأشلائهم لَدخلها بلا استئذان ولَصفّقت لِمزاعمه وأباطيله جدُرانُها وأخشابُها الطّبيعيّةُ قبل أخشابِها البشريّةِ ؟!
مَن استدام وقوفَه رئيسًا لوزراء كيانه اللّقيط رغم فشله الصّريح الذي أدركه الدّاخل قبل الخارج غير "مَامَا أمْريكا" التي يسبُّها سكّان مقاهينا العربيّة الرّثّة مدخّنو سجائرها الواهبة على سبيل الوهم تميّزا اجتماعيّا مغلوطا وانتماء لطبقة "الثّقفوت" المدّعي فهما لمُجريات الأمور لا يملكه غيره المجترّ عبارة "الامبرياليّة" في كلّ اجتماع كبُر أم صغُر دون إدراك مفهومها في كثير من الأحيان ؟! ومِن أين جاءت الأسلحةُ المحرّمة المقطِّعة للُحوم الأطفال والنّساء والشّيوخ في معركة النّذالة والصّفاقة والوقاحة ضدّ مدنيّين يكتفي اليوم أغلب العالم بمشاهدة ما يُسمح من نقل صورهم وصيحاتهم المعلَنة والمكتومة بقلوب متحجِّرة لأنّ الفاعلين في الغرب المصنِّع قد صوّرونا منذ زمان دون مرتبة الحيوان؟!
لا تضحكوا على أذقانكم وأذقاننا، ولا تنتظروا من السّماء أن تُمطر عليكم وعلينا ذهبا ولا فضّة ونحن قعود بل نيام ولو بعيون مفتوحة. ولْنتركْ أهل المُضغة الأرضيّة الحيّة دون غيرها من أرض شرقنا المهزوم المأزوم المنشغل ب"المَزْموم" المسمّاةِ غزّةَ يواصلون بلا هُرائنا وشعاراتنا الكاذبة المُغالِطة ما خطّطوا له ويُتمّون رغم الدّاء والأعداء رسالتَهم المقدَّسة ومعركتَهم المظفّرة التي رأى كلّ ذي عقل تداعياتها على وجه ناتنياهو الكالح وهو يفعل ما فعل الجاحظُ في القصّة المرويّة التي تقول إنّ صديقًا له طرق بابه يريد زيارته، ففتح له الغلامُ.سأل الطّارقُ الغلامَ: أين سيّدك؟ فأجاب: هو بالدّاخل. قال الزّائر: ماذا يفعل؟ ردّ الغلام: إنّه يكذب على الله. (لقد ترك الغلام سيّده المعروف بدمامة خِلقته يرى وجهه في المرآة ويُحمدِل!).
وإنّي في هذا الموضوع من النّصّ، طبعا ليس من باب طمأنة نفسي وشركاء نومي ودَعَتي وراحتي أنا وسابقي الذِّكر على امتداد شرق النّكَسات المتتاليات ، أودّ أن أشير إلى أنّ مصادر مطّلعة قد أكّدت غياب كثير من نوّاب الكونغرس عن خطاب رئيس وزراء الكيان العفِن. وما الاكتظاظُ المشهودُ والتّصفيق الحماسيّ الحارّ غير اكتظاظ وتصفيق صُنِعا باستحضار كومبارسات مجلوبين لإحباط مناهضي العدوّ في أمريكا وغيرها من بلدان الغرب المستفيقين رغم ما تبذله المنصّات الافتراضيّة من تخديرهم. فقط أعتقد أنّ المئات المتغيّبين لم يكونوا، في تقديري، أقلَّ جُرما من الحاضرين المؤيّدين للبغل الزّائر المحاضر، فقد كان عليهم، إن كانت مواقفهم صادقة صادرة عن ضمائر حيّة، أن يحضروا ويندّدوا بما ندّد به بعض الحضور( رفعُ لافتة تحمل عبارة "مجرم حرب"، الانشغالُ بقراء كتاب يُعنى عنوانًا ومحتوًى بسواد تاريخ "ضيف" الكونغرس الحقير، مواجهتُه علَنا بتاريخه الملوَّث وجرائمه الوحشيّة في حقّ الإنسانيّة...).
هؤلاء المتغيّبون ذكّروني ببعض من كانوا زمن العصا الغليظة يهرعون إلى شهادة طبّيّة يَضربون بها عصافير كثيرة بحجَر واحد يوم الإضراب الاحتجاجيّ، في القطاعات القليلة التي كانت تعرف الإضراب، قبل أن تفرّخ القطاعات المضرِبة لاحقا بغزارة عجيبة ويصبحَ الفارّون إلى الشّهائد الطّبّيّة أصحاب مواقع متقدّمة في معمل الإضراب زمن وهَن الدّولة وازْبِهْلالِها !