بعد قراءتي بيان التّعاضديّة الأمّ التي ركب زورقَها بعد الثّورة كثيرٌ ممّن نعرف تاريخهم وجَغرافيتهم وتربيتهم الوطنيّة وتربيتهم البدنيّة وتربيتهم الأخلاقيّة وكلّ "تْرُبِّهمْ" (مصطلح دارجٌ جامعٌ استُحدث سُخريةً زمنَ إدخال جُموع التّربية إلى تعليمنا بغية "النّهوض" بضعاف الحال من المتمدرسين الذين فقّرتْهم الموادّ الرّئيسيّة سامحها الله وغفر لها، وقصد تحقيق أهداف مدمِّرة أخرى يطول شرحُها) الذين أسندَ إليَّ بعضُ أراذِلهم (مع وافر احترامي لمن لا يستحقّ العبارة) بسبب سيْري عكس القطيع لمعرفتي العميقة بطبيعة الفلّاحين وبزراعتهم المخدِّرة للثّورة تُهمًا جاهزةً معلّبةً من قبيل: "يُضربْ في العملْ الفلاحي" و"غير منضبط فلاحيّا"،
وبعد أن شاهدتُ "كمْشة" أصدقاء الأمس الجائسين خلال ديارِ الدّاخلين "بَبُّوشتَهم" المُغلقين على جَرّاراتهم وآلاتهم الجرّافة المنهَكة بفعل عمل سنواتِ الجُهد الدّؤوب والنّشاط اللّعوب التي لا تُنسى أبوابَ مستودعاتِها... بعد كلّ ما سبق قفزتْ إلى ذهني حكايةٌ تعود إلى سنوات قديمة عاشتْها حُجرةُ درسٍ بمعهد خاصّ في واحدة من جهات البلد.
تقول الحكاية إنّ مدرّسًا عانى الأمرّيْن من تلميذٍ منحرف مشاغب لم يجد من سبيل إلى كبْح جماحه غيرَ إحراجه أمام زملائه إناثِهم وذكورِهم مستغلّا ضعف تحصيله فاستجمع قُواهُ الرّدعيّةَ واختار سؤالا معرفيّا عسيرا استهدفه به دون غيره.
لكنّ الفتى كان راضعًا من ثَدي مسرحيّة "مدرسة المشاغبين" المصريّة الشّهيرة لذلك التفتَ سريعا إلى جليسه وقال له بصوت مسموع يزيد أستاذَه غيظا وقهرا وحرَجا لا يُحسد عليه: "َعَلِيكْ بَالله أنا رْفعتْ صُبْعي؟!"
وحتّى لا أطيل عليكم أختمُ بعبارة "حديثْنا قْياسْ" التي ورثْناها عن الأسلاف طيّبَ الله ثراهم.