من البديهي الإقرار بأن انقلابا استخدم الدبابة وحرَق دستور الثورة وحطّم البناء الديمقراطي المتداعي لن يتراجع أمام آمال مواطنين ليس لهم سوى الحلم.
ولكن لا بد من الإقرار أيضا بأن شجاعة المترشّحين أربكته وبأنّ الديناميكية التي وقعت أثناء جمع التزكيات قد أكّدت له أنّه لا يملك إرادة الشعب وأن ليس له سوى قوة الأجهزة للبقاء وترويج الأوهام.
" لا عودة الى الوراء " هو أحد هذه الأوهام ذلك أن ما يحدث منذ الانقلاب هو عودة حقيقية وخطيرة إلى احتكار الحكم ولجم الأفواه والانفراد بالسّلطة، أي إلى لحظة ما قبل الثورة.
" لا دساترة لا خوانجية " هو وهم اخر يروّج له اليوم بعض الشباب الذين اعتبروا قرار الهيئة تحقيقا لشعارهم الذي رفعوه طيلة سنوات. هو وهم لأنّ من يقرر ذلك هو الصّندوق لا الأوامر العلية والهيئات المشبوهة والحيل القانونية المكشوفة.
إنّ ما يحدث هو فرض أقليّة لن تنجح بالانتخابات إرادتها بالقوّة على الشّعب، وبما أنّ فخّ 2019 لن يتكرّر ونسبة النجاح في الانتخابات لن تكون كما كانت بل ستتقلّص نحو الأدنى بعد خماسيّة عجفاء فليس هناك من سبيل سوى استخدام الهيئة لإقصاء من يشكّلون خطرا حقيقيا.
وبعد، فإنّ المعركة لم تنته بل قد تشهد تصعيدا آخر تتعرّى فيه السّلطة من جديد لتكشف ضعفها ورعبها من حقيقة عزلتها المتمدّدة بين الناس كبقعة زيت تسيح.
وهي العزلة التي ستحاصرها تدريجيّا حتى الاختناق لو يتمّ استغلال هذه اللحظة بذكاء معارضة موحّدة وقويّة، وبإرادة أفراد يجسّدون العقل التونسيّ الهادئ والفطن والفاعل.