ثماش ما نفيقو على ارواحنا... وانقصو من التبهبير بالجملة الثورية... و أهداف الثورة وكذا... والكلام التبريري.. من اجل المصالح... او النشوات إلي نخدرو بيها في ارواحنا... لتكن أنواتتا راضية على أنفسها… فبحيث... الآن وقد حصل ما حصل وجعل الرأي العام والإعلام العالمي يسخر مما حصل في بلاد الثورة ضد الاستبداد والفساد... والتي لم يكن يسمع بها العالم وأصبحت مشهورة في مخيلة الشعوب من اجل ذاك…
وبعد ان أعلنت الهيئة المعينة من الحاكم الفردي النتائج الأولية للإنتخابات الرئاسية ...ومهما كان التهديد بسبب حتى التلميح.. وهي بدعة علو شاهق...لا يمكن ان توجد إلا في الدكتاتوريات السوداء ... فمن الضروري الوقوف في الوضوح... بعيدا عن التلميح المخزي في جبين من يهددون به... وسيصبح هذا من تاريخ هؤلاء الأزلام الذي يقرف حتى أبنائهم و أحفادهم.. فمن الضروري الوقوف على بعض المسلات التالية... التي لا يمكن إلا التخييط بها... مستقبلا... وإلا... !!!
* ان نسبة من لم يشاركوا في هذه الإنتخابات بقيت إجمالا نفس النسبة التي لم تشارك في التصويت على الدستور المنزل في 2022 للبني القاعدي غبر الشرعي ...وهي نسبة لا توجد في الديمقراطيات التي يؤمن فيها المواطنون بحقوقهم المدنية والسياسية وبمارسومها... وفي مقدمتها حقهم الانتخابي لاختيار من يمثلهم في ادارة الشؤون العامة لبلادهم .. فيمارسوه بنسب عالية... ولا كما في الدكتاتوريات... مثل هذه..
وبالتالي فهذه الإنتخابات لم تتوفر فيها المشروعية الشعبية لتفويض من يدير الشؤون العامة للبلاد ... فهذا الشعب لم يريد!!
*اما بالنسبة لثلاثة ارباع الناخبين الذين لم يشاركو. .. فلم يجرى اي سبر آراء جدي لتفسير أسباب عزوفهم... فهي بالضرورة عديدة ومختلفة... ولكن هناك بعض المؤشرات التي يمكن الإعتماد عليها... للفهم...
*واولها التخطيط لحرمان الشخصيات السياسة التي لها خزان انتخابي... او ظهرت اسماءها في نتائج سير الآراء... من حق الترشح للمنافسة ..
وذهب الأمر حتى إلى اعتقال مرشح "زرف" في القائمة التي اختارتها الهيئة المعينة...لمنعه من القيام بالحملة.. مع التنكيل به لأنه قال... نقلبو الصفحة... فعزفت تلك الخزانات الإنتخابية على التنقل للتصويت لمن لا تريد...
وثانيها استعمال أجهزة الدولة والسيطرة على الإعلام.. للقيام بالحملة للحاكم الفردي وهو من الفساد الكبير ... كما كان الأمر قبل الثورة... و يعاقب عليه القانون الانتخابي ولكن الهيئة المنصبة لم تكن تتابع.
وفي غياب مشاركة تلك الخزانات.... كانت النتيجة ضد من تبقى من المنافسين الاثنين... المعتقل... والثاني الذي لم يتمكن من منافسة شريفة... تشبه النتيجة التي كان يتحصل عليها بن علي في غياب المنافسة الشريفة والأخلاقية..
*لكن يتناسى الكثير.. وهذا هو الخطير... خصوصا أولائك الذين يتكلمون باسم الشعب ومهما كانت مشاربهم ...انه بصفة عامة هناك نصف المواطنين المسجلين في القائمات الإنتخابية لا يشاركون في الإنتخابات منذ الثورة!! وهؤلاء لا يهمهم رأي السياسيين وما يطرحونه.. وان هم شاركو.. او لم يشاركو...او قامو بحملات مقاطعة... لأنهم لا يثقون فيهم !! ولكنك تجد منهم من يتخيل... او يدعي... ان ذلك بفضل تأثيره عليهم!!!
*وقد اتضح هذا العزوف وليس المقاطعة كما يروج البعض له بحمق ... للظهور بمظهر العريف الذي له تأثير... ويردد شعارات جوفاء... بدون التثبت من حقيقة الأمور... اتضحت بالمكشوف إثر الثورة... ورغم مناخ الحرية الجديد... وكان ذلك في انتخابات المجلس التأسيسي..التي شارك فيها الجميع... انه لم يشارك فيها سوى 54 في المائة من المسجلين!!! وهذا لأنه بعد عقود..تعود فيها نصف المواطنين.. أنه لا يأمل شيئا من الإنتخابات... وأنها لا تغير وضعهم... لأنهم لم يعرفوها إلا شكلية تحت الإستبداد !!!
وقد كان محمولا آنذاك.. على الأجسام الوسيطة التي تبنت شعارات الثورة ضد الاستبداد... ان تشعر بهذا الخطر الوجودي الذي يؤدي حتما إلى انتكاسة الانتقال الديمقراطي... وكأن عليها نشر ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان وقيم الجمهورية ومزايا الدولة الديمقراطية في التنمية المستدامة... الخ...داخل أحزابها اولا حتى ينشروها لدى المواطنين... فلم يفعلو!!!
بل وروج العديد واقتنع به الكثير...إما جهلا بمقتضيات الدولة الديمقراطية... او بسبب رواسب من نظريات شمولية انقرضت انظمتها... ان اكبر مكسب او المكسب الوحيد من الثورة... هو حرية التعبير!!!!! ... وتناست المكاسب المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية الأساسية... النابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان... ومن ضمنها حق التنظم والاجتماع والتظاهر التي كانت محرومة منها قبل الثورة وتتعرض للسجن لما تمارسها... ولولا هذه المكاسب لما كانت اصلا موجودة بعد الثورة !!! وتناست خاصة الدفاع عن الحق الانتخابي الذي يكفل لها المنافسة على السلطة!! ... وهو سبب اساسي في وجودها.
وعدم الدفاع عن الحق الإنتخابي توضح مرة أخرى ...لما نصب المنقلب على الدستور الذي وافقو عليه ويضمن الحقوق المدنية والسياسية... هيئة انتخابات معينة من طرفه…
فتعامت الأحزاب عن وعي او بدونه... عن القيام بدورها في توعية المواطنين بها... هذا إن لم تكن تحمل فكرا شموليا لا يؤهلها لذلك... وبعضها ذهب به الأمر حتى إلى شيطنة ذلك الجزء من المجتمع المدني الذي كان يعمل من اجل ذلك ... واتهمه بالعمالة للخارج.. الخ من الأوصاف الحميدة....حتى ان الهيئة المنصبة وجدت لديهم "الحجج"... لمنع مراقبة الإنتخابات من طرف جمعيات مختصة في ذلك... بدعوى التمويل الخارجي ... وعوضتهم بالجامعة العربية التي يتحكم فيها السيسي وولي العهد السعودي.
وعوض رفع ناقوس الخطر على الإنتقال الديمقراطي.. انغمست في التجاذبات والصراعات على السلطة والتمكن من أجهزة الدولة التي تركها لهم الاستبداد والفساد...فلم يطبقو دستور الجمهورية الثانية الذي يضمن دولة المواطنة وقيم الجمهورية والتنمية المستدامة رغم موافقتهم عليه ... او بالمزايدة عليهم من معارضاتهم بالشعارات الثورجية...وبدون تقديم مقترحات لتأسيس تلك الجمهورية على ذلك الدستور المواطني... الذي صوتو له أيضا !!!
وكل ذلك حصل... وهم جميعا غير ممثلين سوى بنصف الناخبين فقط!!! ... وطبعا مع الوعود الإنتخابية الكاذبة... الخ... زادت قناعة العازفين... بأن هؤلاء لا يستحقون تمثيلهم لإدارة الشؤون العامة للبلاد !!!
* ولم تطلع هذه النسبة إلا مرة واحدة في سنة 2014، بعد أن اتفق السياسيون على دستور ديمقراطي بفضل الحوار الوطني، والاستقطاب الثنائي الذي حصل ببن النداء ومن معه.. والنهضة ومن معها... فشارك في التشريعية 69 في المائة .. وفي الدور الثاني للرئاسية 64 في المائة.. ثم رجعت حليمة إلى دارها القديمة.. وبدأ التدهور في نسبة المشاركة... إلى ان وصل للعشرة في المائة في انتخابات البني القاعدي !!
ففي الإنتخابات التشريعية في 2019 لم يشارك سوى 41 في المائة... أما في الرئاسية فلم يشارك في الدور الأول سوى 49 في المائة رغم وجود 26 مترشحا !!! وحتى في الدور الثاني لم ترتفع النسبة إلا إلى إلى 57 في المائة بفضل مشاركة الشباب في هذا الدور ... وخصوصا الذين يصوتون لأول مرة... تحت تاثير وسائل التواصل الاجتماعي والوعود الشعبوية الزائفة بامل في المستقبل في بلادهم... ولما خاب املهم عزفو عن المشاركة في هذه الإنتخابات.. و معظمهم يفكر في الهجرة..
* في العادة هناك جزء مهم من المسجلين تعود على عدم التصويت إما كموقف من العملية الإنتخابية في حد ذاتها ..او لأنه لا يأمل في التغيير بواسطة الإنتخابات.. او لأنه لا يرى من بين المترشحين من سيقدر او سيعمل على إعطاءه امل في المستقبل .. خصوصا بعد ان فشل الجميع في تغيير الواقع رغم الحرية بفضل ثورة ضد الاستبداد والفساد !!
وقد زاد الطين بلة هذه المرة، ان المترشحين الذي كانت تظهر أسمائهم في عمليات سبر الآراء... وترشحو.. او عبرو عن حقهم في الترشح ومنعو منه.. او رفضتهم الهيئة المعينة.. او ارجعهم القضاء الإداري فرفضت الهيئة المنصبة تنفيذ الأحكام لصالحهم... وخصوصا أولئك الذين يتحوزون على خزان انتخابي... انسحبو من السباق... ولم يعد يهتمو بها ... طالما انهم حرمو من حقهم في الترشح...ولم يكن تفكيرهم ينصب اولا لقلب الصفحة ضد الفاشية الزاحفة على الجميع وتخليص المجتمع منها... بل اولا للوصول للحكم وتنفيذ مشروعهم الشخصي أو الحزبي.. فلم يدعو مناصريهم للحيلولة دون تركيز الفاشية الزاحفة على الجميع!!!
* وبالتالي جمع المنقلب الواحد الأحد.. ما تبقى من الناخبين بعد إقصاء منافسيه الذين لهم خزان انتخابي.. وهذه البقية تمثل تلك الشريحة الموجودة في كل مجتمع... والتي يرتفع عددهما وينخفض حسب رواج قيم المواطنة وقيم الجمهورية في العقول... وهي متعودة منذ زمن بورقيبة على اعتبار الإنتخابات ولاء وطاعة للحاكم بامره... حتى لو لم يقدم لها برنامجا كما هو الحال في هذه الإنتخابات..
ويرجع تاريخها لنظام الحزب الواحد الزبوني.. وهيمنة أجهزة الدولة على تنظيم الإنتخابات وعلى الإعلام والقيام بالحملة للحاكم الفردي.. وهي تلك الشريحة التي كان يعتمد عليها التجمع في انتخاباته لما كان يقول ان له مليوني منخرط.. ثم يدلس الإنتخابات بملئ الصناديق ليصرح بنسب تقترب من المائة في المائة عوضا عن ربع الناخبين ..
وقد تفرقت إثر الثورة بين الأطراف السياسية التي حكمت... وتجمعت من جديد خلف حاكم فردي جديد.. وهي اجمالا نفس الشريحة التي صوتت له على دستوره بدون حتى الاطلاع عليه من الكثير.. وصوتت له بدون تقديم برنامج انتخابي من طرفه... ورغم انها تعيش في نفس الأزمة الخانقة التي يعيشها الجميع..
فمن المسؤول؟ وهذا هو السؤال الكبير الذي على الأجسام الوسيطة مراجعة نفسها فيه .. قبل ان توجه اللوم على الآخرين!!
* أما السجال الذي حصل بين الداعيين للمشاركة والداعيين للمقاطعة في هذه الإنتخابات،.. فيمكن بالنظر لما تقدم توصيفه من قبيل القفز على ذلك الواقع... و الانتصارات الوهمية..
فقد كان محصورا بين النخب المثقفين والاطراف السياسية التي ليس لها خزان انتخابي... وما تعودت التحصل عليه في الإنتخابات السابقة يبين ذلك.... ولم تظهر اسماء معظمها في اعلى قائمة نوايا التصويت في عمليات سبر الآراء قبل منع نشرها..
ومن دعوا للمشاركة أثرو فقط على عشر الناخبين الذين صوتو.... ولو أن المخموربن ممن دعو للمقاطعة وسقطو في المزايدات الصبيانية عوض احترام الرأي المخالف ... دعو للمشاركة أيضا... لعرفنا حجم تأثيرهم الحقيقي في الناخبين.. فهو كالعادة سيكون تأثير هم قريبا من الصفر فاصل ممن صوتو... ولا عشر. الناخبين كمن دعو. للمشاركة دفاعا عن الحق الانتخابي المواطني .
فلكل ما سبق ذكره من حجم عدم المشاركة المتواصل منذ الثورة... و انسحاب المترشحين المرفوضين... يبين انهم أيضا لم يكن لهم تأثير يذكر على نسبة عدم المشاركة.. وهي مشاكسات لا تتجاوز زوبعة في فنجان ثقفوتي.. تخمر النفوس...ويمكن لمن يريد المواصلة فيها فعل كما يريد... فهذا لن بغير شيئا في هذا الواقع.
وبحيث....
*السياسة دائما بالعمل على الحصول على نتائج... لا غير...إن كنا حقا نريد تغيير واقع المواطنين ونعمل على إعطاءهم امل في المستقبل ... وإلا فالمواطنون يبعثوك قريبا من الصفر فاصل.. مهما نظرت...
* والإنتقال الديمقراطي يلزمه قوى ديمقراطية...بدونها لا يمكن تأسيس دولة ديمقراطية... والدفاع عنها... وتترصد مع بعضها... لكل محاولة للإنقلاب عليها...
*والوقوف ضد الفاشية الزاحفة ... يلزمها ديمقراطيون مؤمنون بقيم المواطنة وقيم الجمهورية...يتوحدون ضدها...
*ويجب توعية المواطنين بضرورتها... فهي الوحيدة التي يمكن ان تعطيهم امل في المستقبل ..وإلا فجزء منهم يسقط بالضرورة في الشعارات الشعبوية.. ومن بينها ضرورة وجود حاكم فردي متسلط على من يعتبرونهم مسؤولون عن وضعهم...
*وإن سقطت فاشية بسبب أزمة خانقة... بدون فرض ذلك عليها من الديمقراطيين .. يعوضها لا محالة استبداد آخر يقوده إقصائيون... إن لم تكن فاشية أخرى..
ونرجع لا محالة للنقطة الصفر... كما رجعنا إليها... بعد ثورة حرية وكرامة !!!