وداعا للحرية. هذا مجتمع غير مؤهل نهائيا لإنتاج فكرة الحرية والكرامة المشروطة بها ولو بعد عشرين قرنا. هذا مجتمع يمتلك كل شروط إعادة إنتاج الاستبداد الشعبوي إلى ما لا نهاية بصيغ مختلفة، متلبسا بالدين أو بالأخلاق العامة أو بالقانون. نعم أقول هذا بيقين ومن دون أدنى تنسيب.
مجتمع يقرر فيه جهاز الدولة فجأة سجن مواطنين بتهمة تعاطي أنشطة افتراضية "مخلة بالأخلاق الحميدة ومنافية للقيم المجتمعية ومهددة لسلوك الشباب"، ويجد تهليلا ورقصا وردحا من المواطن الأمي ومن الإسلامي واليساري والحداثي..، هو مجتمع مريض ومختلّ وسخيف.. وميؤوس منه.
أولا أنا أستبعد جدا أن تكون هذه التطبيقات فضاء مفتوحا لترويج مضامين إباحية كما في المواقع المتخصصة في الجنس. لذلك أشعر أن الحكم عليها فيه مبالغات واستيهامات مرضيّة. يعني ما يسمونه "عري" لا أظنه يفوق ما تتابعه "العائلة التونسية الكريمة" على تلفزاتها خلال شهر رمضان مثلا.
بالنسبة للكلام البذيء أرجوكم كفى نفاقا! ما أعلمه أن الشعب التونسي العظيم يكتشف كل الشتائم الجنسية البليغة وسب الدين والجلالة منذ الابتدائي، ومن النادر جدا أن تجد تونسيا لا يعرف قاموس الفحش بكل صيغه البلاغية العجيبة. طبعا كان ذلك قبل اكتشاف منصات التواصل الافتراضي بكثير. يعني أن هذه المنصات لا تصنع أخلاقك يا سي المجتمع بل تعكس جزءا من وجهك الذي تريد أن تنكره.
أن تغلقها أو تسجن ناشطيها لن يجعل منك مجتمعا "صالحا ونظيفا وعفيفا ومتخلقا ومحلاك"، بل مجتمعا منافقا كاذبا منفصما ومريضا.
السجن تحديدا هو عندي "أم الجرائم". من ينادي به عقابا لناشطي هذه التطبيقات، ومن يبرره بأي شكل، ومن يتحمس له، ومن يغضّ عنه الطرف، هو إنسان سادي مريض عنيف.
هؤلاء النشطاء "التفّه" يعيشون حياتهم" التافهة" على طريقتهم التي تعنيهم وحدهم. وإن حدث وتقاطعت حريتهم/تفاهتهم مع حرية غيرهم، فهناك ألف طريقة لتذكيرهم بحدود حريتهم/تفاهتهم وتحذيرهم.. من دون الاعتداء على حرمتهم الإنسانية.
أما أن تتحول الدولة إلى شرطي أخلاقويات، فلا أظن أن "أخلاقها" تسمح لها بهذا الدور.
سيكون عندنا إنسان سويّ مهذّب راقٍ حين نوفّر له كفافه المادي وأمانه المهني وتعليمه المتين وأمانه النفسي.. أي حقوقه/حريته/إنسانيته.
... تقلّي خلّينا نبدوا انّظّفوا الأخلاق الساعة وبعد تو كل شي يخلط.. خاطر سي شوقي قال "إنما الأمم الأخلاق ما دراشنوة..."، وقتها نقلك سامحني.. وفرلي الحاجات الأخرى وكان سمعتني نقول كلمة زايدة اشنقني موش احبسني...
ومن هنا لغادي.. برّا شيّط أنت وسي شوقي متاعك.
تبا.