نحن والانتخابات الأمريكية

نجحت الديمقراطية الأمريكية في تجديد دماء مؤسساتها الشرعية المنتخبة بنسبة مشاركة عالية، تسابق فيها المتنافسون في الرئاسية وفي التشريعيتين في تحفيز أنصارهم على التصويت..

وخسرت كمالا هاريس ومن وراءها الديمقراطيون، خسروا الرئاسية والاغلبية في مجلس الشيوخ، لعدة أسباب من بينها الانحياز الأعمى لجرائم الإبادة التي يرتكبها ناتنياهو وجيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وخسارة تصويت عرب ومسلمي أمريكا وحلفائهم من السود والشعوب الأصلية التي عانت الإبادة والتمييز والتهميش لقرون..

وفاز الشعبوي ترامب ومن وراءه الجمهوريون، في الانتخابات الرئاسية على مستوى كبار الناخبين وعلى مستوى التصويت الشعبي وفي انتخابات مجلس الشيوخ في انتظار نتائج مجلس النواب، بعد حملة دائمة لم تنقطع منذ هزيمته السابقة منذ أربع سنوات..

وتأرجح تصويت العرب والمسلمين والسود والأقليات بين معاقبة الديمقراطيين والتصويت لخصومهم الجمهوريين، أو مواصلة دعمهم تحسبا من الأسوأ، أو المقاطعة لتساوي مساوئ المترشحين، أو الانحياز المبدئي بدون نتيجة تذكر لمرشحة الخضر التي لم تتمكن من اختراق حاجز الإنحياز الحزبي الثنائي الذي يميز النظام الانتخابي الامريكي..

هاته الانتخابات سيكون لها تأثير كبير على المستوى الدولي، بمزيد التضييق على منظمة الأمم المتحدة ومؤسسات التعاون الدولي التي لا تجاري السياسات والمواقف والمصالح الامريكية..

وسيكون لها تأثير كبير على مزيد تراجع الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية في العالم ومزيد انتفاخ الشعبوية، وانتعاش الانعزالية والانغلاقية..

وسيكون لها تأثير مباشر على الحرب الروسية الأكرانية بعقد صفقة بين ترامب وبوتين، ومزيد الضغط على أوروبا الغربية ودول الخليج العربية واستنزافها لتمويل دفاعها وأمنها، ولجرها للاصطفاف في المعارك الامريكية القادمة ضد إيران والصين..

عربيا، ستحاول الإدارة الترامبية الجديدة استعادة مشاريع مقايضة التطبيع بالدعم السياسي وغض البصر عن الفقر الديمقراطي طالما لم يمس المصالح الأمريكية..

وستواصل سياسة دعم جنون آلة الإبادة، مع إمكانية الضغط الطفيف لإيقاف الحرب ضد غزة ولبنان، بمقايضة التطبيع مجددا والضغط على الدول العربية لتمويل عملية إعادة إعمار غزة..

ولكن هاته الانتخابات ستوفر ايضا فرصة ثمينة للدول الاوروبية والعربية للتمايز عن الأمريكي، والتوازن بين الأمريكي والصيني وحليفه الروسي، والبحث عن تعزيز ما يريد ترامب تدميره، أي مزيد من التعويل على الذات والتضامن الإقليمي وتعزيز التعاون الدولي ومزيد التمسك بالمنظومة القانونية الدولية حتى لا يتغول الأقوياء بقانون الغاب..

وإذا كان يحلو للرئيس المعاد انتخابه ترامب بعد هزيمته السابقة، يحلو له ترديد شعاره الاولي "أمريكا اولا"، فما علينا إلا أن نجيبه "نحن أولا".. و"الحق والقانون اولى إن يتبع"..

وهو ما رسمته على سبيل المثال دول مثل جنوب إفريقيا الشقيقة، بالتمسك بمنظومة التعاون الدولي وقيمها ومواثيقها بعد أن تخلى عنها جزء من الغرب، وبجرجرة الدولة القائمة بالاحتلال وشركائها أمام محكمة العدل الدولية ومحاكمتها بتهمة جريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وبحرصها على توسيع البريكس ليتضاعف عدد الدول المشاركة في التحالف البديل لإحداث التوازن مع الغطرسة الأمريكية..

وكم من محنة فتحت آفاقا أرحب..

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات