دماء و مُخاط فايسبوكي

لم اسمع بأمة تعرّضت لإبادة بينما يخوض افرادها في "نثر العالم" ولم تُشكّل الابادة لعقولهم أي احراجات فكرية وخُلُقية وسياسية تدفعهم الي طرح اسئلة حادة…اتحدث عن اساتذة واساتذة جامعيون وباحثون وطلبة واعلاميون ونقابيون...كيف امكن صناعة مواضيع من مُخاط العالم يُعالجه خرّيج جامعة بشكل مُجترّ في الفايسبوك بينما يموت 400 مائة الف بالجوع والعطش في شمال غزة؟ مَن يُحرّكُ في خيوط الوعي؟

عندما احتاجت فرنسا وانجلترا الي القبائل العربية في الحجاز ونجد لضرب الامبراطورية العثمانية صنعت "الثورة العربية الكبرى"، وكوّنت منهم جيشا وارسلت انجلترا ضباطا ادعوا الاسلام وقادوا "الثورة" ..ثم قفز الحلفاء على ارث الرجل المريض وتقاسموه..عندما احتاجت امريكا الي الاسلام والجهاد لضرب الاتحاد السوفياتي في افغانستان نادت المنابر "حي على الجهاد" ومول الاعاريب الحرب المقدسة ضد الكفار..لماذا يستبلهوننا دوما؟ لأننا لا نقرا..عندما ارادت امريكا ان تنتقم من فيتنام الي اخرجتها مكسورة ماذا فعلت؟

تحالفت مع اسوء نسخة من "الكفار" الشيوعيين: الخمير الحمر، كان يأتيهم السلاح والمال والغذاء..الخمير الحمر الذين قاموا بإبادة لأكثر من مليون كمبودي..عندما لم تعطيهم طالبان نفط وغاز وذهب افغانستان قالوا اسلام سياسي ظلامي يضطهد المرأة ويفرض عليها النقاب، ولابد من نظام علماني وديمقراطي...ماذا فعلت بريطانيا وامريكا مع اكبر حكومة علمانية عرفها الشرق؟ تحالفت السي أي ايه مع بريطانيا ونظمت انقلابا على محمد مصدق فقط لأنه امم شركات النفط وافتكها من الشركة البريطانية "برتش بتروليم"..ماذا حدث عندما ارادت تدمير الثورات العربية ونشر قواعدها في سوريا والعراق؟ نادى الخطباء في المساجد "حي على الجهاد" وشكلت "الجيش السوري الحر" وتحالفت مع الاسلام الجهادي وتركته يشكل دولة امام اعينها لتجد مبررا فيما بعد ل"محاربته" وبناء قواعد لا نعلم متى ترحل..

الي اين اريد الوصول؟ الي هذا: هناك من يعمل لدى الصهاينة والامريكان وانظمة العربان المسؤولة على الخراب العظيم . هؤلاء حلفاء تاريخيون وعدوهم واحد ولهم نفس البروباغاندا: اذا اصبح اليساريون قوة يمكن ان تُهدد مصالحهم رفع العربان المصاحف واستنفروا الخوف على الاسلام ونادت المنابر بالجهاد ضد الكفار، واذا اصبح الإسلاميون قوة تحولت الوهابية الي حركة علمانية واصبح "الاسلام السياسي" خطرا (خطرا على من تحديدا؟)..ويتلقّفُ الحداثي والانواري +التقدمي الطّعم ويتحالف مع "العالم الحر" ضد " اعداء الحقوق والحريات" و"اعداء المرأة" و"قيم الحداثة"..والابادة الحاصلة الان؟ لا عالم حر يبكيها ولا حقوق ولاحريات ولامراة ولا طفل ولا قيم حداثة تحميها؟

ظلامية القرون الوسطى تقوم بها حداثة العالم الحر..ذبح للحقوق والحريات وللنساء والاطفال...واستقبال للقتلة في عواصم الانوار وترحيب بالمجرمين من ألهة الحقوق...وفي الضفة الاخرى دماء ومُخاط فايسبوكي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات