حول مقتل الأستاذ/المعلّم.. انتحارا

انتحار معلّم مأساة إنسان/فرد، وفاجعة عائلة، واهتزاز مدرسة، وفضيحة مجتمع، وجريمة دولة. الحدث الفاجعة كان، كالعادة، مناسبة للتونسيين ليستعرضوا سطحيّتهم وقطاعيتهم وعجزهم عن مقاربة مأساتهم الجماعية.

* فئة الأساتذة وجدوا في موت زميلهم مجرّد "محطّة" لتذكير الدولة "بكل لطف" بظروفهم المهنية المزرية، وتذكير المجتمع بانهيار المدرسة العمومية وبتأزّم العلاقة بين الأستاذ والتلميذ نتيجة الاكتظاظ وفشل النظام التأديبي وفقر الأساتذة الذي ينعكس على حضورهم النفسي داخل القسم، ونتيجة موجة الشعبوية التي تجرّم الأستاذ كلما طالب بتحسين وضعه المادي وإخراجه من إهانة الفقر.. حتى أنه انتهى في ذهن العائلة التونسية والتلميذ أنانيا ماديا جشعا.

* فئة المدافعين عن القيم والدين والأخلاق. وهؤلاء قسمان: قسم يسبّ التلميذ التونسي الجديد "اللي موش متربي"، عكس التلميذ التونسي قديما على عهدهم، ويحمّلون العائلة التونسية مسؤولية قلة تربية التلميذ تجاه معلّميه لأنها تخلت عن دورها التربوي وصارت تدلل ابنها وتمكنه من الهاتف الذكي منذ الابتدائي "باش يقيلها"، فيتعلم العنف والانحراف وسوء الأدب.

هؤلاء لا تعنيهم أوضاع العائلة التونسية التي صارت مهمومة بتدبّر كفاف أبنائها من الغذاء واللباس والدواء والنقل والمدرسة بشق الأنفس.. وتعجز وتشعر بالقهر.

وقسم يسبّ الأستاذ الذي انتحر ويتهمه بمخالفة تعاليم الدين، سيما وأنه أستاذ تربية إسلامية، ويقولون أنه لو كان مسلما بحق لما انتحر. ولا يعنيهم تصوّر الشعور بالإهانة عند مدرّس كل رأس ماله في الدرس هو "شخصيته المعنوية" وكرامته، والتي من دونهما يستحيل عليه مواصلة عمله القائم على التواصل المعنوي مع التلميذ.

بل أن الكرامة هي كل رأس مالنا لنحيا. من دونها تصبح الحياة إهانة وأذى.

* فئة "البيروقراطية السياسية البائسة" التي، ومع كل مأساة من هذا النوع، تنطلق بميكانيكية مقيتة في ترديد اسطوانة ضرورة الانطلاق في برنامج "الإصلاح التربوي". وكأن إصلاح المدرسة، أهم مؤسسات المجتمع الحديث، ممكن في ظل دولة كهذه ومجتمع كهذا. دولة بلا ملامح، ومجتمع يتخبط في وحل شعبوية وغوغائية رثة.

تونس الآن، أفرادا وجماعات/فئات، في لحظة تيه تاريخي. لحظة ربما يكون الانتحار فيها شكلا من أشكال الوعي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات