بثينة شعبان تراسل ميشيل عفلق

حضرتِ السّيّدة بُثينة شعبان المستشارة الإعلاميّة والسّياسيّة بطلب من الرّئيس القائد بشّار الأسد لإعداد خطابه المرتَقَب في انتظار وصول إمدادات حلفائه لإعانته على إخماد ثورة الهمَجِ الرّعاعِ المنطلقةِ من بعض أطراف البلد الآمن بتدبير من عدوّ الأمّة الصّهيونيّ والمنبطحين له. حضرتْ إلى بيته المتواضع في أحد أحياء دمشق الشّعبيّة المكتوبِ على واجهته الأماميّة بخطّ بسيط ما قاله الرّجلِ الأعجميِّ في الخليفة الرّاشد عمر بن الخطّاب: "عدلتَ فأمنتَ فنِمتَ". طرقتِ البابَ الخشبيّ المُهلهلَ مرّاتٍ فلا من رادٍّ. أطلّت من بين ثقوب هذا البُويْب البسيط التي أحدثها تباعدُ لوْحِه منذ سكن المنزلَ الأسدُ الأبُ فلم ترَ أثرا لوجود العائلة. تناولتْ هاتفها وحاولت مكالمةَ ربِّ البيت المرّةَ تلوَ المرّة لكنّها ألْفَتْ هاتفَه "الآلكاتال" القديمَ المتقشِّفَ لفائدة حاجة الرّعيّة مغلَقا. ظنّت رغم ما انتابها من انزعاج على الأسرة الكريمة الطّيّبة وأحسّت به من تعَبِ ركوبِ التّاكسي المتهالِك الذي أوصلها من بيتها البعيد إلى هناك خيرًا، فما عرفتْه من وضع الوطن المغمور بالعدل والمساواة وتواضع الحاكم لا يُخيفُ ولا يثير أيّ قلق على الخليفة الرّاشد وعياله !

وهي تعود لركوب التّاكسي لمحتْ طفلا يغادر من بيت مجاور إلى دَوامِه المدرسيِّ بمحفظة على الظّهر فألقت عليه التّحيّة ثمّ سألتْه عن سرّ غياب عائلة الأسد عن منزلها فرجّح أن تكون قد ذهبت لمشاركة أسرةٍ سوريّةٍ عزاءَها في موتِ أحد أفرادها موتا طبيعيّا (ثبتَ بما لا شكّ فيه أنّ النّاس في هذا القُطر العربيّ العادل أميرُه لا ينتهون بغير الموت الطّبيعيّ !) وطلبتْ منه ورقةً بيضاءَ وقلمًا بعد أن استفاقت من حُلمها العجيب الذي تقدّمت تفاصيلُه. أنزل الفتى حاويةَ كتُبه وجَثَا على ركبتيْه وفتحها وتناول كرّاسا وراح يقتطع منه ورقةً بيضاء ظلّ جزءٌ منها عالقا بمَصدره وقد اضطربتْ يدُه لمعرفته بمنزلة المرأة في نظامٍ غشوم ظلوم حكم بلده بأشدّ أنواع القمع المحلّيّ والمستورَد. ناولها الورقةَ الفاقدةَ استطالتَها ثمّ قلمًا على رأسه آثارُ أسنانِه المستدِرّةِ للفكرة عند التّعامل مع واجبات المنزل والفصل…

عادتْ إلى كرسيّها الخلفيّ في سيّارتها الفارهة وقد فهمت اللّعبة جيّدا ثمّ راحت تكتب بكلّ انفعال:

إلى الرّفيق الأعظم مفجّر عصر الجماهير البعثيّة ميشيل عفلق:

بعد التّحيّةِ التي تليق بمقامكم، وبعد كلِّ رجائي أن لا أُزعج هدوءكم في قبركم، أُعلم الجناب أنّ آخر مَن وضعْنا فيه جميعَ آمالنا بحراسة فكركم السّديد وإبداعكم المديد قد فرّ من المعركة متسلّلا بعد أن غالطنا وطار إلى موسكو (أظنّك تعرفها وتعرف موقعها على الخريطة وتعرف ثورتها البولشيفيّة المجيدة؟!) رفقة أسرته بطائلِ الأموالِ تاركًا آخرَ المعاقل الفعليّة المترجِمة لنظريّتك الحصيفة لفائدة شعبٍ مارقٍ آبِقٍ لم يَحمُد ما عاش فيه من نِعَم الدّفْء الوفير والأكل الغزير والأمن الكبير داخل ما يسمّيه أعداؤنا وحاسدونا سجونًا ومعتقلاتٍ، ففجّر بمغادرته الخائنة هذه البوّابةَ الأخيرة التي كنّا نعلّق عليها قميصَ استمرارِ حزبٍ وإنْ تمزّق بين عراقيٍّ وسوريٍّ فإنّه قد قاد الأمّة العربيّة إلى رخاءٍ عميمٍ لا يُنكره إلّا جاحدٌ و إلى دحْرٍ عظيمٍ لا يخفى على أعمى لعدوٍّ زنيمٍ أرادت له الامبرياليّةُ المقيتةُ وأصحابُ الأفكار الهدّامة من شُركاءِ أقطارنا وبعضِ أجوارنا أن يُزرع خِنجرًا في خاصرة الوطن العربيّ من المحيط إلى الخليج أو من النّهر إلى البحر.

لا حظتُ وأنا أكتب هذا النُّصيْص على مستشارة بشّار الإعلاميّة والسّياسيّة قلقًا وارتباكًا لا نظير لهما فهدّأتُ من روْعها ومرّرتُ لها ما كان يشدو به الفنّان الهادي الجويني "اللِّي تعدّى وْفاتْ زعمة يرجعْ.. وَلَّى نْعيشْ بْعِلّْتي نِتْوجِّعْ" عبر مذياعِ مطبخِ بيتي التّونسيِّ لتذكيرها أنّ أمثال سوريا من أقطار عربيّة معلومة عاد لهم ما/ من مرّ ومضى فأزيلتْ عللُهم وأوجاعُهم، وبناء عليه لا داعيَ لما هي فيه من رَوْع شديدٍ وصلتْ معه إلى حدّ مراسلةِ رُفاتِ ميشيل عفلق تشكوه جُبنَ الأسدِ وجيشِه وزوالَ نِعمتها سيّدةً محظيّةً استأثرت طويلا بقُرب نظامٍ غرق في خيراتِ بلدٍ جاع أهلُه وسِيمُوا أشرسَ أنواع التّعذيب في العصر الحديث على أيدي زبانية أُطعِموا حبوبَ الهلوسة المصنوعة بعبقريّة عقولٍ سوريّة ففعلوا في أبناء وطنهم ذكورا وإناثا ما تشيب له الولدانُ.

شكرتْ تهدئتي وقد تهلّلت أساريرُها وتطلّق وجهُها آمرةً سائقَها الشّخصيَّ بالتّحرّك. مسرعًا طرقتُ البلّورَ لأدعوَها إلى ضرورة إعادة القلم المتواضع إلى صاحبه الصّغير، فهي أكبرُ من أن يسيل لعابُها لِمثْلِه، وهو أعجزُ من أن يحصلَ على غيره إن ذهبت به، وذكّرتُها أنّ الرّسائل لا تمرّ بين حيٍّ وميّتٍ لذلك من المفروض أن تحتفظ بالورقة وما فيها ريثما يحين وقتُ التحاقها بالسّيّد ميشيل طيّب الله ثراه وبرّد تُرْبتَه وأثابه أجرَ فكرٍ رشيقٍ عميقٍ بانٍ مُشيِّدٍ زارعٍ لأطيبِ الشّجَر والثّمَر.

عاد إليها قلقُها، وما كنت أتمنّى ذلك، قبل أن تشير إلى سائق عربتها المصفّحة بالانطلاق ناسية أو متناسية تلويحةَ يدٍ مودِّعةٍ قد يكون داهمَها الشّلَلُ فلم تقوَ على ما انتظرتُ.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات