حضن الوطن

واحدة من أكبر الإعتداءات ع الوطن تشويه اللغة الدالة عليه، و ليس في الأمر ما يدهش. فالتدمير الواقعي للحياة وما يرتبط بها من أشياء يترافق بالضرورة مع التدمير الإجرامي للغة محاولة من المعتدين تجميل واقع القبح ،قبحهم. ومن الأمثلة على ذلك استخدامهم مصطلح : حضن الوطن.

فنحن أمام كلمتين أثيرتين ولهما مكانة عاطفية في النفس. الحضن من جهة والوطن من جهة أخرى. يشير الحضن مباشرة الى الأم رغم استخدامه عبر استعارات كثيرة. ك حضن الطبيعة ،حضن الحبيبية، حضن اللغة…الخ الحضن بهذا المعنى يحيلك الى الحب و الحنان والدفء والأمان والجمال والطمأنينة. لهذ نصف كل مكان حميم يمنح هذه الأنماط من الشعور بالحضن. قف الرجل بكل عنجهيته الذكورية طفلا أمام حبيبته ويناديها: خذيني لحضنك. و في اللغة فإن الإحتضان ان تأخذ الأم طفلها الى صدرها، أو رعاية الرجل لأولاده. وأجمل لحظات الحب تكون في الإحتضان.

أما الوطن فهو المكان الذي يمنحك الشعور بالقوة والكرامة والمكان الدائم والحق المطلق بالوجود في المكان، بل هو المفهوم الأساسي الذي يحيلك الى الكرامة والسيادة الفردية والجماعية..لا أحد من حيث المبدأ والحق بقادر على أن يقول لي أخرج من وطنك ،اترك المكان الذي أنت فيه، إنه تاريخي وبيتي وملكيي ومعشريتي وذكرياتي و عواطفي والطبيعة التي أحب ،يمنحني الوطن الأرض الصلبة التي أقف عليها، والطمأنينة التي ترافقني أنى ذهبت، طمأنينة ناتجة عن إني أملك مكانا دائما لوجودي إذا ما شرقت وغربت. وليس هناك من قوة تعادل تللك القوة التي يمنحها إليك الوطن ،يمنحك الحق الذي لن تجده في أي مكان في الدنيا سوى في الوطن. في الوطن أنت تعيش في حمايته القانونية والأخلاقية.

هذا هو الحضن المجرد والوطن المجرد في اللغة والتي أي اللغة تدل على واقع الحض و واقع الوطن. عندما نقيم ترابطا بين الحضن والوطن فإنما نقيم ترابطا بين الوطن والأم .

والوطن هو حضن فعلا في وجوده الطبيعي والمعقول والتاريخي.

من ذا الذي يرغب بإرادته أن يتخلى عن الوطن حضنا، ويغادر الوطن إذا كان على هذا النحو الحقيقي والمحقق لمعنى الوطن؟

عندما يحول الطاغية أي طاغية الوطن الى مكان مخيف، الى مكان يسلب منك الأمان ويقتلك ويسجنك و يراقبك ويسرقك ويسلط عليك الأوباش الذين يستبيحون الحق والحرية فإنه عمليا لا يقتل الوطن فقط بل ويلغي الترابط بين الوطن والحضن. عندما يقيم الطاغية ترابطا بين الوطن والموت، بين وجود الوطن و وجوده ويصبح وجوده بما هو علية من قوة عنف وتدمير هو حضن الوطن فإنه يدمر الترابط الواقعي والمنطقي والطبيعي بين الوطن والحض.

ملايين اللاجئين ،بشر ،يتركون الوطن ويرحلون نجاة بحياتهم ممن جعلوا من وجودهم المعادي لمفهوم الوطن (حضنا) للوطن. من دمروا الوطن حضنا يعلنون أنهم حضن الوطن .

يعلن حراس الطاغية من قتلة اللغة والمنطق والعقل والمعقولية: عودوا الى حضن الوطن. من لم يبقِ وطنا وحضنا يدعو الى العودة الى حضن الوطن، وهذا معناه تخل يا ابن الوطن عن كفاحك، لا تكافح من أجل أن يكون الوطن حضا بالمعنى الحقيقي،' وعد الى حضن الوطن بالمعنى الزائف الى حضن من دمروا الوطن وجعلوه مقبرة .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات