للّه ما أعظم شعبَ غزّة القاهِرةِ ومقاومتَها !

بعيونٍ عاجزة عن حبْس دموعها وبقلبٍ لا يخلو من شيءٍ من إيمانٍ وإنسانيّة وإحساسٍ بالفخْر شديدٍ تابعتُ عمليّة تسليم غزّة لأسيراتها الثّلاث.

للّه ما أعظم شعبَ غزّة القاهِرةِ ومقاومتَها !

تواشجٌ بينهما يغيظ العدوَّ ويسرّ الصّديقَ.

شعبٌ مكلومٌ فقَد الآلاف من أبنائه في حرب الإبادة التي تعرّض إليها بسلاح محتلِّه وأسلحة داعميه غربا وشرقا المحظورة وغير المحظورة يلتفّ بقلوب لا تعرف غير الحبّ والصّدق والإيمان حول مقاوميه الطّالعين كالعنقاء من تحت الرّماد لكنْ في أبهى حُلّة: بزيّ عسكريّ أنيق كما لو أنّه جاء للتّوّ من مصنعه وسيّارات دفعٍ رباعيّ ليس عليها ذرّة واحدة من غبار غزّة المدكوكة مبانيها بمئات الأطنان من أسلحة الدّمار الشّامل (غضب كبير في المنصّات العبرية بسبب فيديوهات القسّام والمقاومة: من أين خرجوا؟ ومن أين أتى هذا العدد؟ وأين كانت كلّ هذه المَركبات؟ وماذا كان يفعل جنودنا منذ أكثر من سنة هناك؟ هذا أمر لا يستوعبه العقل!) وأجسامٌ ثابتةٌ كأنّها لم تعِشِ الإعياءَ والتّعبَ وقلّةَ النّوم والجريَ وملاحقةَ إوزِّ الكيان الصّفيق ورسمَ الكمائن وزرعَ الألغام والعدوَ للمسافة صفر…

تنظيمٌ غير مسبوق يحمل رسائل طمأنة للموالين المؤمنين بأنّ ما بعد الطّوفان المبارَك ليس كما قبله، وأخرى للعدوّ وداعميه تقول كثيرا من المعاني التي لابدّ من استخلاصها والوقوف عندها وقفةَ تأمّل عميق قبل التّفكير في عودة ممكنة إلى ما رموْا فيه ضبّاطهم وجنودهم من جحيمٍ.

أكثرُ من موكبِ تسليمٍ للتّمويه والتّعمية نَفّذتها عقولٌ لم يراودْنا أدنى شكّ في ذكاء أهلها وعبقريّتهم اللّذيْن رأيناهما في معركتهم المسلّحة مع جيش البطّ الصّهيونيّ صاحبِ بطولة الأيّام السّتّة في مواجهة بعض جيوشنا العربيّة النّظاميّة ذاتَ سنةٍ بعيدةٍ.

ثلاثة أسيراتٍ يغادرن السّيّارة في أبهي حُلّة بثلاثة أزياء مختلفة الألوان وبوجوه مملوءة وأجساد في قمّة العافية والسّلامة رغم التّجويع الممنهَج الذي مارسَه العدوّ الزّنيم ضدّ الشّعب ومقاومته التي شاهدنا رجالها يخوضون المعركة المقدّسة بأرجل حافية وملابس جدّ بسيطة وبطون غائبة (يبدو أنّهم تبرّعوا بها لتضخيم كرش رئيسهم الذي لن يجود الزّمانُ بمثله مظهرًا ومخبرًا محمود عبّاس…

إحداهنّ، وهي تنزل من المركبة، ترسم قُبلة على جبين أحد رجال وحدة الظّلّ التي تأسّست من أجل تأمين الأسرى وإبقائهم في دائرة المجهول مدّةَ سبعين وأربعمائة يوم عجزت خلالها استخبارات العدوّ ومسانديه الأمريكيّين والبريطانيّين وغيرهم عن الوصول إليهم. قُبلة مشحونة باعترافٍ لا يفهمه القائلون منّا عربَ المهانةِ التّاريخيّة بتورّط المقاومة في جرّ شعبها إلى الموت والأسر والتّعذيب والتّجويع وبرد الشّتاء ممّن يصحّ فيهم قولُ الشّاعر:

دعِ المنايا لا ترحل لبُغيتها

واقعدْ فأنت الطّاعم الكاسي.

هدايا تذكاريّةٌ وشهاداتُ تخرّجٍ لها ما لها من معانٍ لا تُدركها عقولُ كارهي المقاومة الإسلاميّة في رقعة الشّرف والتّشريف وأفهامُهم المسدودة بمغاليق الأدلجة البائسة قُدّمت للأسيرات العائدات إلى أهلهنّ في الكيان المزلزَل اجتماعيّا وسياسيّا واقتصاديّا وعسكريّا.

إمضاءٌ متبادَلٌ لوثائق التّسليم بين المقاومة وممثّلي الصّليب الأحمر الدّوْليّ يعكس عمق جاهزيّة هذه المقاومة زمن الحرب وزمن السّلم معًا…

للّهِ دَرُّكم إخوتَنا في غزّة الصّغيرة جغرافيّا الكبيرة بقلوب رجالها ونسائها، شيوخها وكهولها، وشبابها وأطفالها !

لقد ذُدْتمْ عن أمّة بأكملها، وأظهرتم كبيرًا ممّا يسرّ أحرارَها وشرفاءَها على أرض المعركة وفي موكب التّبادل.

لقد صنعتم عزّنا المنتهَك منذ زمن بعيد بطوفانكم العظيم والاستعداد المتقَن له ولما يليه.

رحم اللّه شهداءكم من أبناء شعبكم الحاضن بإيمانٍ لا يظاهى، ومن قادة مقاومتكم العسكريّين والسّياسيّين الذين قدّموا أرواحهم وأرواح أبنائهم قرابين على مذبح الحرّيّة والإيمان العميق بقيمة الجهاد من أجل الوطن والدّين.

لا يَسلمُ الشّرفُ الرّفيعُ من الأذى

حتّى يُراقَ على جوانبه الدّمُ

وحدكم من أدركتم هذا البيت الشّعريّ المأثور وما يحويه من معنًى.. وحدكم من آمن بالآية الكريمة :" وَلئِنْ قُتِلتُمْ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".

أبوسُ الأرض تحت نِعالكم معترفًا بما فعلتم سائلا اللهَ الرّحمةَ لشهدائكم والشّفاءَ لجرحاكم والصّبرَ لفاقديكم والحرّيّةَ والسّلامةَ لأسْراكم، والحياةَ الكريمةَ لمن كُتب لهم البقاء..

لقد أدهشتم البشريّةَ وحرّكتم مياهَها الرّاكدةَ وغيّرتم مفاهيمَ الرّأي العامّ العالميّ حتّى وأنتم تسلّمون أسرى عدوّنا (اسمحوا لي بنون الجماعة التي قد لا أستحقّها).

طبتم وطابت جهودكم في الدّنيا والآخرة، وجازاكم الله عن المختلف والمؤتلف منّا معشر العرب كلّ خيرٍ عاجلا وآجلا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات