رحم الله أبا حيّان التّوحيديّ صاحبَ عبارة : "إنّ الحركةَ متى كانت بشوقٍ طبيعيٍّ لا تهدأُ البتّةَ".

على أعتاب غزّة التي لا يجود الزّمانُ بمثلها تحطّمت صورةُ النّازح الذي لا يعود، فشاهدنا سيْلا بشريّا عرِمًا يقطع مسافات طويلة يجذبُه تعلّقٌ بالأرض لا يتوفّر عند فئة من البشَر أخرى على وجه البسيطة.

صورةٌ مشحونةٌ بالمعنى تعسُر قراءتُها القراءةَ السّليمةَ على كثير من خلْق الله خاصّةً أولئك الذين تشتعل في صدورهم حرائقُ الحِقد من عرَبٍ وعجَمٍ تجاه هذا الشّعبِ الاستثنائيِّ ومقاومتِه الباسلةِ التي تركتِ الكلامَ إلى الفعل والزّبَدَ إلى مَا ينفع النّاسَ ويمكثُ في الأرضِ.

نساءٌ ورجالٌ وأطفالٌ يرجعون إلى أرضٍ سوّتْ بها أطنانُ الأسلحةِ الصهيونيّةِ والأمريكيّةِ منازلَهم في مشهدٍ مكتنِزٍ بالإنسانيّة والثّبات والصّبر والتّصبّر والاصطبار: حفيدٌ يحمل جدّه أو جدّته، أباه أو أمّه فوق ظهره ويقطع به أو بها كيلمتراتٍ مديدةً مملة فيه من الدّروس ما لا يخفى على ذي عقل راجح …

مَن يصل مِن هؤلاء المؤمنين بمقاومتهم الحاضنين لها برموش العيون يزاول البحثَ تحت الأنقاض عن حبيب قد يكون قضى داخل الرّكام ليمكّنه برباطة جأش عظيمة من جنازة تليق بالآدميّين، وعن مُصحَف خلّفه مفتوحاً في زاوية من البيت يتذكّر فيه الصّفحةَ والسّورةَ والآيةَ.

جميعهم يُدركون أنّهم عائدون إلى خرابٍ وجوعٍ وعطشٍ وبرْدٍ لكنّهم يفعلون.

جميعُهم، وقد اعتادوا هذا الموقف، يرجعون لإعادة البناء بما تيسّرَ ولإسناد المقاومة في مواكب تسليمها وتسلّمها للأسرى التي أجهزتْ بإعدادها المحمَّل بالرّسائلِ القاهرةِ على ما تبقّى من صلابة الصّهاينة حكومةً وشعبًا وجيشًا…

قبل أن أختم ألتمس المعذرةَ من كلّ عربيٍّ مُتصهينٍ وإنِ ادّعى الممانعةَ والكراهية للعدوّ الإسرائيليِّ البشِعِ، حفاظا على سلامة صحّته البدنيّة دون صحّته العقليّة والنّفسيّة اللتيْن لا أملَ في علاجهما لأنّ عِلّتهما قديمةٌ مستفحِلةٌ لا يستطيعُها أشهرُ أطبّاء الكونِ !

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات