لست ميالا في الغالب الى تعميمات السياسيين و " النشطاء " و المتحزبين و سكان الكنائس الايديولوجية من الاتباع و الامراء حين يتحدثون عن " الشعب " هذه العبارة الغامضة التي لا يدرك كثيرون معناها العلمي سوسيوسياسيا .
لا تحركني غالبا عبارة "جماهير شعبنا العظيم " التي ينطقها عادة من توهم نفسه ناطقا رسميا باسم الناس كما لا تروقني المزاعم " النخبوية " في التعالي على شعب يراه الطز حكمة شعبا جاهلا لا يفهم . انا مقتنع منذ سنوات ان " الشعب " حقيقة اخرى و في مكان اخر قائمة بذاتها بعيدا عن صخب السياسيين و ادعياء المعرفة و اتباع الاحزاب و بعيدا عن ضجيج مواقع التواصل الاجتماعي و المشهد الاعلامي .
" الشعب " كائنات حقيقية تسير في الشوارع و تأكل الطعام و تركب وسائل النقل و تشقى او تسعد في حياتها اليومية الملموسة و لكنها ليست خواء و فراغا يتوهم " النشطاء " امكانية ملئه بثرثراتهم او بالصورة الاستيهامية التي يحملونها عنه ." الشعب " هو حقيقة قائمة و مملوءة "بعقلانية و رؤية لنفسها و للعالم " بل ان النشطاء انفسهم و بمجرد ان ينهوا ضجيجهم على الفضاء الافتراضي او الاعلامي حتى يعودوا اليه يتبنون عقلانيته الواقعية بعيدا عن الشجاعة الخاوية و الهوس المصطنع و الاحتراب المزعوم الذي يمارسونه متوحدين من وراء حاسوب او امام عدسة الكاميرا .
وجدت بعض محاولات علمية لتحديد من هو هذا " الشعب " مثل محاولة سي منصف وناس او سي الهادي التيمومي و لكن الاهم من ذلك هو ما يمنحه لك الاختلاط بالناس كما هم " في الواقع " لتدرك ان للتونسيين الطيبين البسطاء بمثقفيهم و متعلميهم و عامتهم ..بالمتدين المحافظ منهم و بالمتحرر المقبل على ملذات الدنيا ..بالميال للعلمنة في حياته و الميال الى رقابة المقدس ..
كلهم حين تختلط بهم في عقلانيتهم الواقعية تدرك انهم يملكون كل ما يجب للمحافظة على بلد امن يجب ان يتطور و يتعافى بعيدا عن صخب ادعياء فعل في الشأن العام لم يهتم بضجيجهم في اخر انتخابات إلا نزر قليل جدا من شعب عقلانية واقعية لم يجدها فيهم .
بعد سبعطاش اربعطاش و حين تحرر الاعلام و التعبير و منحنا القدر ان تكون وجوهنا مألوفة عند الناس في الشارع اصبحنا من حسن الحظ نملك مصدرا واقعيا للمعلومة حتى نعرف فعلا هذا " الشعب " مزاجا و افكارا .يستوقفك اناس مختلفون و يحدثونك عن ارائهم و معاناتهم و طلباتهم و انطباعاتهم حول من يرونه في المشهد فتكتشف ان " الشعب " هذا الشعب العظيم فعلا هو غير هذه " الاقليات " المتناقرة على سطح الساحة …
هذه " الاقليات " اصلا يا حبيبي حين تراها في الشارع تكتشف انها هي ايضا من هذا " الشعب " و ان صورتها تختلف عما تراه في هذا الازرق او على الشاشة ...فلا شجاعة كذابة و لا ضراط ثورجي او ايديولوجي و لا عنترية متوترة ...بل عقلانية واقعية مثل شعب تونسي لم يجد من يمثله …