هكذا غنّت الفتاة في مسلسل: المايسترو بصوت عذب ينتشر كضوء في عتمة الإصلاحية ليقول ألّا يأس من الإنسان. هذا المسلسل أعادني إلى التلفزة بعد أن كنت أمرّ عليها كما يمرّ غريب على غريبه، وأيقظ فيّ أملا عذبا لذيذا بأنّ الجمال هنا سينتصر على القبح وبأنّ الجديد أخذ طريقه وسيمضي مترنّما بأغاني الغد إلى منتهاه. لا شيء سيوقفه وقد انطلق. روح جديدة تنبع من العمل وتخرج به عن النمطية الممجوجة.
أحداث تنطوي على صراعات عميقة داخل الذات وخارجها من أجل انتصار الإنسان، وجمالية رائقة في الحوار والموسيقى والإغاني تشفّ عن رؤية عميقة للفنّ الذي يصير له دور ترهيف العالم. ترهيف الإنسان الذي "تذيّب" داخل واقع متوحّش لا رحمة فيه. ترهيف وجودنا المحكوم بالرعب ليصير وجودا محكوما بالحبّ.
هذا العمل يبرهن على أنّ هامش الحرية الفسيح الذي نتمتّع به اليوم أطلق العنان للخيال والجمال، وسمح بالجرأة في تناول ما كان مسكوتا عنه، وأتاح الدّفاع عن القيم الإنسانية المنهارة وعن الإنسان المهدور الفاقد لكرامته داخل وضعيّات لاإنسانيّة. هذه الحريّة مثلما استغلّها البعض لصنع الرداءة والتفاهة والترويج لها بالمال والإعلام تحقيقا لأرباح خياليّة فإنّ البعض الآخر من المبدعين الحقيقيين وجدوا فيها صوتهم الضائع ولغتهم الملأى بالأمل.
إيه فيه أمل. رغم الظلمة التي يصرّ البعض على أن ننحبس فيها. رغم الملل. الأمل في الأفكار الخلّاقة المتوهّجة التي تعبّر عن ذاتها بعمق وهدوء دون عنف ودون ابتذال ودون اعتداء على المشاهد في عقر ذاته الحميمة.
إنّه الفنّ حين يرتفع بالإنسان فلا يخاطب غرائزه بل يخاطب برقّة عميقة روحه وعقله فيطير به إلى معان إنسانيّة تدفعه إلى إعادة الاشتغال على ذاته وطرح الأسئلة العميقة: كيف نكون الإنسان؟
الإنسان. أراه في وجوه الصغار في المسلسل. ملامح مريحة وقدرة عجيبة على تقمص الأدوار بعفوية ودون تكلّف. اكتشاف رهيب لطاقات كامنة قادرة على التفاعل الجميل مع جيل الكبار.
جرأة العمل في نقد المنظومة السجنية المريضة والمختلّة، ونقد مجتمع مريض ومختلّ أنتج أطفالا ضحايا هنا وهناك. وإعادة بنائه يكون عبر إعادة بناء الروح والعقل. إنّه الاشتغال الأجمل على الإنسان.
حين تكون هناك نقطة ضوء، ربما علينا أن نقول إنّها نقطة ضوء لا أن نطفئها. وحين يكون هناك عمل جميل، ربما علينا أن نقول إنّه جميل لا أن نقتله. هو ما تعلّمنا إياه فيروز في أغنيتها: إيه في أمل التي أبدعت الطفلة في المسلسل في أدائها:
إيه في أمل إيه في أمل
أوقات بيطلع من ملل
و أوقات بيرجع من شي حنين
لحظة تَ يخفّف زعل
شوف القمح اللّي بيطلع بالسّهول
شوف المي اللّي بتنزل عَ طول..