المشهد الاستعراضي المنتج للقرف في السياسة ليس جديدا. شاهدناه منذ السنوات الأولى بعد الثورة من خلال "تصعيد" شبه مهرّجين للمجلس التأسيسي يقدّمون عروضا "هزلية" وغريبة في تتفيه للثورة ودفع الناس إلى الاشمئزاز من الجديد، ومن خلال دفع الشواذ والعراة وجحافل المتطرّفين إلى الشّوارع لإحداث حالة ذهول جماعية وحالة ريبة وخوف دائم، ومن خلال استراتيجية محو الرموز عبر الطّرق اليومي للعقول.
صناعة القرف تعود مع الانتخابات من خلال نوعية من المترشّحين لا صلة للباسهم بالمهمّشين ولا بالفقراء. ولا يمكن مقارنتهم من حيث المشروع السياسي الوطني برؤساء في أمريكا اللاتينية وغيرها انحازوا إلى الفئات الشعبية وارتدوا لباسها وتحدّثوا بلسانها. بعض المترشحين لباسهم أقرب إلى الهزء بكلّ شيء.
الهزء بالدّنيا وبالقيم وبالأخلاق، ومهمّتهم نشر اللامعنى من خلال خطاب أقرب إلى العته، لا صلة له بالعته الترامبي الذي يستعرض القوّة المتوحّشة للرأسمالي المجنون.
العته الترامبي هنا لا يمثله هؤلاء. بل اولئك الذين يملكون قوّة المال ويتخفّون وراء المعاتيه ويتظاهرون وسط هذا الجنون العامّي بالعقل. ولكنهم لا يتوانون عن ممارسة كل اشكال اللامعقول للوصول.إلى غاياتهم: البذاءة والرشوة والكذب ونشر الأراجيف وتقديم المعاتيه في الواجهة وإيقاع الناس في شرك حيلهم المقرفة.
هؤلاء، هؤلاء القادرون بأموالهم على شراء كلّ شيء: التوقيعات والأصوات والضمائر والذمم والشهرة . هؤلاء هم الأشدّ قرفا.
قرفتونا… لكن سنقاوم قرفكم.