تأكيد لتصويت 15 سبتمبر: anti-سيستام، anti-توافق العمليّة السياسية برمّتها ومرتكزاتها سقطت في الماء، وبحاجة الى اعادة بناء reconstruction، لا ترميم ولا ترقيع. برلمان كوكتيل وتشكيل الحكومة يحتاج الى معجزة.
الناخب وضع النهضة في ورطة: وضعها في المرتبة الأولى، على أساس التعهّد بعدم التوافق. وبدون التوافق لن تستطيع أن تشكّل حكومة، وستعاد الانتخابات. صعود صاروخي للأحزاب والقوائم التي تتبنّى بوضوح الأجندة الثورية والخطاب الثوري. وحتّى النتيجة التي حصلت عليها النهضة كانت أساسا بسبب تبنّيها في حملتها للخطاب الثوري، وتعهّدها بعدم العودة الى التوافق، عندما فرض عليها الضغط والمزاج الشعبي الاختيار بين الثورة والسيستام.
النهضة فازت بالمرتبة الأولى (مقارنة بالمرتبة الثانية في 2014)، لكن واصلت التدحرج في عدد الأصوات وعدد المقاعد بمعدّل 500 ألف و20 مقعدا في كلّ انتخابات. وكان الفوز على فصيل واحد من منافس 2014، الذي انقسم الى عدد من الشقوق.
في الحقيقة، السيستام كان دوما أوهن من بيت العنكبوت (وليست الغول أو الجيش الذي لا يُقهر)، والمسار الثوري كان منتصرا وكعبه عال في كلّ الانتخابات. ولولا العزوف الناتج عن خيبات الأمل، لعكست النتائج ذلك. لكن الأحزاب التي انتخبها أنصار الثورة امّا تراجعت أو عجزت عن تنفيذ الأجندة الثورية ولَم تسع لتحقيق أهداف الثورة. نتائج اليوم ومجريات الحملة الانتخابية أثبتت أنّ الأحزاب هي التي خذلت أنصار الثورة وليس العكس. وكلّ ذلك ينسف تماما الأسس التي بُنِي عليها التوافق.
فشل ذريع للأطراف المشبوهة التي اعتمدت المال المشبوه أو الدعاية الكاذبة. الناخب عاقب الشاهد ثمّ عاقب حزبه، وعاقب فقّاعة عيش تونسي. تظلّ ظاهرة القروي وحزبه استثناء، وظّف المال والإعلام والعمل الخيري، واستغلّ الشرائح التي تركها نظام ما قبل الثورة وما بعدها فريسة للجهل والفقر.
تحدّي كبير أمام القوى الثوريّة، لإثبات قدرتها في البرلمان الذي تدخله أوّل مرّة أو تعزّز حضورها بدرجة كبيرة، واثبات جدارتها بثقة النّاخب، وجدّيتها في الوفاء بوعودها، وقدرتها على العمل المشترك، وعلى تقديم انموذج مختلف للممارسة السياسية المعتمدة على المبدئية والمصداقية والشفافية والوضوح والقرب من الناس، بعيدا عن صفقات الكواليس،والمخاتلة واللف والدوران والتعالي على الشعب والاستهانة به، والنظرة اليه باعتباره مجرّد أصوات ومطيّة للسلطة.
وعلى تقديم انموذج مختلف في الممارسة البرلمانيّة تألّق في تجسيده عدد قليل جدّا من النّواب في المجلس الماضي، وهو الأنموذج المعتمد في الدول الديمقراطية المتقدّمة (النائب في خدمة المواطن والدائرة والشعب public service ) ، ليصبح هو العرف في البرلمان، وتصبح النماذج التي كانت سائدة في البرلمان الماضي الاستثناء الشاذ.
بالنسبة للنهضة، أعطاها النّاخبون، الفرصة الأخيرة لمراجعات شاملة وعميقة للمسار الذي بدأ منذ انتخابات 2011، ، (وعدد منهم الذي رجّح كفّتها صوّت لها مضطرّا ومتردّدا، أي أنّ أصواتهم كانت ضدّ منافسها لمنعه من الفوز). ما أخشاه وللأسف أتوقّعه، هو أن يغطّي الفوز على الإخفاقات، ويدفع باتجاه مزيد من الانكار والمكابرة، والاكتفاء ببعض التحسينات والتعديلات الشكليّة، باعتبار أنّ هذه الوصفة نفعت في الماضي.
هذه المرَة مختلفة جدّا. فالنهضة نالت الأصوات المرجّحة بخطاب ثوري وبتعهّد بعدم العودة الى التوافق، وبسبب أن الغاضبين من النهضة والرافضين للتصويت لها أثناهم عن المقاطعة أو التصويت لغير النهضة قبح وخطورة منافسها.
أيّ تراجع عن ذلك سيكون انتحارا سياسيا، والاكتفاء بالتحسينات والتعديلات الشكليّة، سيجعل عددا من الناخبين يندم على التصويت لها، وسيفقدها العديد من الناخبين ومن الأعضاء. فما كلّ مرّة تسلم الجرّة.