لماذا تجنح الزيتونة بمفردها الى القرآن الكريم واعلان الحداد، بينما يفر اعلام العار من مسرح الفاجعة الى مسرح اللهو والاثارة؟ لماذا لا يتحرك اعلام العار بحماس ويفتح الموائد المستديرة ويعلن الحداد وينخرط في الرثاء الطويل ويشرف على توسيع مساحة الحزن التحسيسي ويوسع من دائرة البحث والتقصي ويتوغل في الفرضيات والافتراضات!!
لماذا يبدو مرتبكا في تأثيث موائد الجراح، وتلوح كل محاولات الحزن التي يشرف عليها باهتة لا روح فيها، أقرب إلى المجاملات الركيكة منها إلى المشاعر الإعلامية الصادقة؟
الأمر في غاية البساطة والجواب من جنس الإعلام وأهدافه واجنداته، إن الإعلام الذي تأسس لأغراض دنيئة لا يمكنه التفاعل الإيجابي مع الأغراض الحميدة، لأنه بعث خصيصا لصناعة الكذب وإدارة موارد الإشاعة، وتعوّد على ذلك لعقود، لذلك لا يمكنه التميز في إدارة الأزمات الحقيقية وليس له ابدا في القضايا الجدية، ليس لان الاعلام وصل إلى درجة يتمنى فيها الموت والكوارث والتشفي في ضحايا الحافلة وغيرهم،
لا ليس هذا، لكن يصعب على الكذّاب الأشر أن يبدع خارج مربعات الكذب والافتعال الموجه، يصعب عليه أن ينسجم مع القضايا الوطنية وهو الذي شبّ على اللاوطنية، انه من الصعب على قطاع ترعرع في حجر الأحزان المفتعلة والمشاكل المفتعلة والأزمات المفتعلة أن يحسن التفاعل مع الاحزان الحقيقية والمشاكل الحقيقية والأزمات الحقيقية.
لذلك ليس من جواب للذين يدونون منذ الأمس ضد المشهد الإعلامي ويرصدون برامجه المنبتة بعد فاجعة الحافلة مباشرة وطوال الليلة الفاصلة بين نهار الموت الجماعي وصبيحة الموت الجماعي، ليس من جواب غير فاقد الشيء لا يعطيه، غير ان الاعلام التونسي ذهب بعيدا في دراساته العليا المعمقة الخاصة بافتعال المشاكل والقلاقل وتفريخ الأزمات وتحويلها الى فتنة ومن ثم ترويجها بأنماط تبين عن خبرة وحنكة ودراية كبرى،
لكن هذا الإعلام مازال يراوح في سنته الاولى حضانة، إذا تعلق الأمر بالقضايا الحقيقية، اعلامنا تلميذ سنة أولى حضانة، يمّنك ويدوبل ويحشش ويتبولد على المعلمة ويوشم ويشم ويزطل.. ولديه في علبة اكله، 10 أنواع من حبوب الهلوسة" اعلامنا صفر تفاعل مع المشاكل الحقيقية لأنه إعلام غير حقيقي.. اعلامنا يرتبك حين تداهمه مشاغل الوطن الحقيقية ويفقد البوصلة إذا تعلق الأمر بتونس وشعب تونس وضحايا طرقات تونس.. تونس التي خدعوها.. تونس"شُهرت 3000 سنة حضارة!"