"الأغبياء فقط هم من لا يغيرون مواقفهم" حكمة الشيخ راشد الغنوشي التي اطلقها في أحد آخر تصريحاته ليدفع بها "خطيئة" تغير موقف النهضة من حزب نبيل القروي بمجرد تغير و انتقال مسؤولية تشكيل الحكومة من حزبه الى "الشخصية الأفضل" التي يكلفها الرئيس.
حكمة الشيخ ان يتغير الموقف برمته لا ان يتغير جزء منه وهو الرأي. لا اعتقد ان الشيخ يخلط بين الموقف والرأي.
الشيخ راشد يدرك جيدا ان يكون الموقف يؤسس على التأني وعلى المعرفة و الاقتناع فيصبح ملزماً و لا يمكن الحياد عنه وان أي تغير انما يشمل أو يمس الآراء و رغم ذلك أعلن و وصف من لا يغيرون مواقفهم بالاغبياء؟فهل تتغير المواقف التي هي عقائد و ثوابت؟!
حكمة الشيخ جعلته يغير موقفه بدل الرأي. والشيخ راشد الغنوشي لا يغيب عنه أن الرأي قليل للنقاش والتعديل والتجريح وحتى التغيير شرط ان لا يمس بالموقف المؤصل والمبني على تفكير عميق وتأمل واع في مسألة وأن الرأي جزء من الموقف لذلك تتغير الآراء ولا تتغير المواقف.
مقولة الشيخ هي غير مقولة جيمس راسل لويل "هُم وحدهم الأغبياء والموتى الذين لا يغيرون رأيهم مُطلقاً ولا تستطيع إقناعهم بذلك".
الشيخ غير موقفه من الفساد أو من حزب يتهمه بالفساد. الشيخ غير موقفه وانتقل من لون الى لون واضعا شرطية مشاركة حزب كل تصريحات أبناء النهضة قبل وأثناء وبعد الانتخابات التشريعية تسمه بالفساد وحتى عندما كان حزبه يتحمل مسؤولية تكوين الحكومة كان الشيخ نفسه في تكتيكاته يستبعد أي مشاركة له للحكم.
يبدو ان تكتيك الشيخ كان أداة لاحتواء الخط المحسوب على الثورة كما يسمونه. وفشل نهج الاحتواء والتوريط جعله يلجأ الى عصا الموقف يضرب بها ذات اليمين وذات الشمال لتوجيه رسائل الى الخصوم بأن "تفشيل " حكومة الجملي مرشح الحركة لن تمر دون نصر معنوي يعيد النهضة سلطة التأثير في تشكيل المشهد السياسي ورسائل الى الداخل أنه الشخصية الأقوى الماسكة بزمام الأمور والقادرة دون غيرها على تغيير قوانين اللعبة خاصة بعد انتقادات بعض رموز النهضة لاختياراته في تشكيل قائمات التشريعية واعتبار بعضهم زيارته لتركيا بعد سقوط حكومته في توقيت خاطئ ووو.
تغير تكتيك الشيخ من اداة الاحتواء الى عصا الموقف. معركة شخص ضد الكل: ضد الخصوم الذين فاوضهم ولم ينجح في احتوائهم وضد الداخل النهضاوي الذين ارتفعت بعض الاصوات ملمحة ومصرحة بفشل بعض خيارات شيخ الحركة وضد الرئيس الذي لا يزال شق هام من التوانسة يرى فيه طهورية ثورية وضد الزمن خاصة وان عهدة رئاسة الحركة قاربت على الانتهاء وليس له ان يجدد الا بقفزة الى الأمام قد لا تجد لها اسنادا قاعديا.
حكمة الشيخ التي أطلقها محاولة للظهور بمظهر صاحب الرأي السديد وحسن التقدير للآخر وصاحب التقدير والفضل في جمع شمل التوانسة في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد.
فهل تنجح العصا بعد أن فشلت الاداة…