ماراتون من المعارك أصبح يخوضه الفيسبوك نسخة تونسيّة، معارك مصيريّة وليست جانبيّة، آخرها كانت تلك الملحمة التي خاضها النّشطاء في اللّيلة الفاصلة بين 28 إلى 29 مارس 2020، والتي انتهت بالإجهاز على حبل المشنقة الذي أعدّه النّائب المثير للجدل ليعلّقه في رقبة إعلام الفقراء من أجل إخلاء الميدان لإعلام الأجراء،
كانت معركة شرسة وخاطفة استعمل فيها النّشطاء ذخيرة الذكاء ثمّ نغمة الصّوت الواحد والموقف الواحد والمطلب الواحد، رفضوا الخضوع إلى المساومات والتسويف وفشل كورشيد وبعض من معه في إقناع الفسابكة بالحلّ الوسط وبالاستماع إلى تبريرات نموفمّبريّة شموليّة مازالت سارية في مصر وسوريا واليمن ودول عربيّة أخرى، بينما أبطلت ثورة سبعطاش ديسمبر مفعولها، تلك ثورة تحسن العفو، لكنّها لا تحسن التلطّخ في مستنقعات الغباء.
ثمّ وبعد استراحة قصيرة خاض الفسابكة غمار معركة أخرى فُرضت عليهم، قادتها وزيرة الثقافة شيراز العتيري مستعينة برجل التفويض الذي ارتضى برفع أولاد مفيدة فوق مرتبة أولاد تونس، ومنحهم تلاقيح استثنائيّة وتراخيص استثنائيّة ومكانة استثنائيّة، استعملوا عضلات الدولة فاستعمل الفسابكة عضلات تونس،
احتجّوا بمصلحة فنّانين تونسيّين فاحتج الفسابكة بمصلحة كلّ التونسيّين، حاججوا بمصلحة شركات الإنتاج فحاجج الفسابكة بمصلحة 11 مليون تونسي.. لقد خسروا لأنّهم خاضوا معركة الفئة على حساب معركة المجتمع، ثمّ إنّ فئتهم تلك لا تعبّر إلا عنهم وعن بعض الطوائف الفرنكوفونيّة المعزولة، فبدل أن يتناولوا في أعمالهم ندرة الماء الصالح للشّرب، تناولوا وفرة الشْراب، وبدل التطرّق إلى أكوام العذاب النّسوي المنتشر في الحقول والمزارع والمبضّع في الطرقات تحت وقع حوادث الموت، بدل ذلك تطرّقوا إلى عذابات بغي يضايقها المجتمع! يحرمها من ممارسة هوايتها في هدوء وسكينة.
تلك معارك مضت، سطّر فيها الفسابكة ملاحم وتدرّبوا فيها أكثر على مجابهة التميّيز والحڨرة وطوّروا فيها ذكائهم ليلتقط التلاعب قبل أن يفكّر حتى في بدء التلاعب! ثمّ ولمّا مازال النّشطاء يلملمون أغراضهم ويستعدون للرحيل من أرض المعركة بعد أن انهارت أسهم الأبارتايد الفنّي! بدأت ملامح معركة أخرى تلوح في الأفق، بل لعلّها اقتربت أكثر ممّا نتوقّع، هذه المرّة سيقودها أحد المستقوين على بلاده بدولة أجنبيّة!
دولة الفيفا!! هذا وديع الجري يطلق رسائله المبكّرة تجاه المؤسّسات الرسميّة، ويؤكّد أنّ الموسم الرياضي لن يرضى باللون الأبيض! لن يكون أبيضا! وأنّ ذلك قراره الأخير، يبدو أنّ دولة الفيفا شجّعتهم على بناء دولة موازية أو ميليشيا موازية، وبينما تونس تتحدّث باسم كلّ تونس، يتحدّث الجري باسم الجامعة ولا يعبأ بتراتيب تونس ومصلحتها وتمشّيها، أولم يسبق لهذا الإنفصالي أن كسر الحجر رغم النّداءات والتوسّلات واستقوى بالفيفا على تونس ونظّم اجتماعا صاخبا رغم أنف الحجر واستضعف الدولة واستهان بالشعب،
وبعد.. ها هو اليوم يخطّط لفعل مشين بمعزل عن مصلحة الوطن، بمعزل عن مصلحة آبائنا وأمّهاتنا ومسنّينا ومرضانا.. فاستعّدوا للدفاع عن طبقة أفنت أعمارها في خدمتكم وفي تسمين صناديقكم الماليّة، استعّدوا للدفاع عن مرضى يعانون السكّري وضغط الدمّ والسّرطان ولا طاقة لهم بإضافة معاناة الجري... اشحذوا لوحات مفاتيحكم، ضعوا حواسيبكم وهواتفكم في الشحن، خفّفوا الملفّات من فوق أقراصكم الصلبة، أعيدوا البرمجة...كونوا على أهبّة الإستعداد!