"نظرا لتواصل محاولات التشويش على عمل قناة التاسعة وعلى نجاحها الذي يبدو أنّه أزعج العديد من الأطراف، ورغم تأكيدها أنّ مثل هذه المهاترات ليست من صلب إهتماماتها ولا تعنيها كما لا تعني الرأي العام في شيء، فإنّ إدارة قناة التاسعة تتوجّه رغم كل ذلك بالشكر إلى المنشّط سامي الفهري على مساعيه الطيّبة للتسريع في عمليّة بيع نصيب أقلّي لأحد المساهمين في القناة (وهو للتذكير نصيب لا يعطي لصاحبه أي تأثير على مستوى تسيير القناة)، خاصة وأن مجمع الأعمال المالك لأغلبيّة أسهم قناة التاسعة لديه عشرات المطالب الأخرى من أطراف أكثر جديّة ومصداقيّة راغبة في الدخول في رأس مال القناة، هذا علاوة على إمكانيّة تمسّك مجمع الأعمال الأغلبي بأولويّته في شراء تلك الأسهم."
دعونا نتوقّف قليلا مع هذا البيان الذي صدر سابقا عن إدارة قناة التّاسعة حين دخلت في خلاف مع سامي الفهري والشريك المهمّ في القناة رجل المال والأعمال رضا شرف الدّين، هذا البيان الذي يشير إلى مجمع الأعمال كمالك رئيسي للقناة، حصّته أكبر من حصّة شرف الدّين، ثمّ علينا التركيز على عبارة " لديه عشرات المطالب الأخرى من أطراف أكثر جديّة ومصداقيّة راغبة في الدخول في رأس مال القناة"، إذا اعتمدنا التبسيط أو التدريج "من دارجة" يسعنا القول أنّ رجال الأعمال"شادّين الصّف يحبّوا يموّلوا القناة ويدخلوا شركاء".
ذلك عن قناة التّاسعة دون أن ندخل في سياستها الحريريّة وإن كانت تخدم تجربة الانتقال الديمقراطي أم تعوقه.. فماذا عن سامي الفهري ومن خلفه من شركاء، ماذا عن إشعال سوق الكرونيكورات التي قادتها قناة الحوار التونسي دون أيّ رقيب ووصلت فيها الجرايات بل والعقود إلى أسعار خياليّة، ماذا عن اشتراك المال السّياسي للإبقاء على بعض الكرونيكورات بعينهم لأن قدراتهم على الفحش عالية، لأنّهم ينفّذون سياسة تهديم ممنهجة تستهدف الخصوم كما تستهدف التجربة، ماذا عن الشركات الأجنبيّة التي تعاونت في بعض الأعمال "الفنيّة" واشترطت استخلاص أجورها بالعملة "يورو".
إذا ذلك مجمع الأعمال وشرف الدّين وذاك أيضا سامي وقوافل المال السّياسي، فماذا عن العجرودي وشركاته المنتشرة حول العالم وعلاقاتها بمراكز المال في دبي، ماذا عن الملياردير الذي أكّدت بعض التقارير الصحفيّة أنّه يملك ما يناهز 260 شركة حول العالم، فهل كانت قناته الجنوبيّة تحتاج إلى دعم من صندوق 1818 الذي تمّ بعثه للمساعدة في تغطية تكاليف الموت القادم من ووهان، والفقر والمخلّفات التي تركتها أزمة الوباء، هل كان يجب أن يدفع الشّعب المدشدش المزيد من المال لتدعيم المال الإعلامي المتلتل ولتغذية وسائل إعلام تمّ تصنيفها في ذيل المشهد الإعلامي العالمي، وتعمل على أجندة سياسيّة مصادمة لسياسة التجربة، وأخلاقيّة مصادمة لأخلاق الشّعب واجتماعيّة مصادمة لحاجيّات المجتمع.
رجل الأعمال الرحّالة المتجوّل عبر عواصم العالم والذي لا يحلو له المبيت إلا في باريس، صاحب الشركات والعقارات والعلاقات المتشعّبة هو بدوره سيناله بعض الدعم من حكومة تتسوّل من الموظّفين، تتسوّل الكمّامات، تتسوّل حتى - للكول- للتعقيم، وتحاول اقتطاع بعض الدنانير من حطام بشري يعيش تحت خطّ التفقير!
إيّ نعم ستقوم الحكومة ووفق أحكام التفويض بإغاثة رجل الأعمال عبد الحميد بن عبد الله حتى يتمكّن من القيام بتطعيم قناته "تونسنا" التي ومنذ تأسيسها دخلت في حرب معلنة مع الثّورة ومع الانتقال الديمقراطي وتسوّق لكلّ ما هو ضدّ الدولة التونسيّة ومؤسّساتها وخياراتها وسياساتها الداخليّة والخارجيّة.. وماذا عن نبيل ونسمة والاخوة القروي وبرلسكوني ومن مع ومن وراء.. تلك قصة اخرى تحتاج الى المجلدات..
ما زلنا لم نقف إلى هذه اللحظة عن الحكمة في طلب التفويض واقتطاع كلّ تلك الصلاحيّات! فكلّ الإجراءات التي أقدم عليها السيّد رئيس الحكومة لا تخرج عن المألوف ويمكن تمريرها بالقوانين العاديّة أو ما دون العاديّة، فلا القروش سقطت تحت التفويض كسلاح ردع ولا التفويض اكتسح المؤسّسات العامّة ونفذ إلى أحشائها وشرع في الاشتباك مع الفساد الخامل في جوفها، ولم نسمع ولا نحن رأينا مبادرات قويّة يحتاج معها الفخّفاخ إلى جرعة دستوريّة جبّارة ومثيرة كي يمرّرها..
فهل كان التفويض كلّ التفويض وذاك الجهد كلّ الجهد، وتلك الاحتكاكات والتجاذبات كلّ الاحتكاكات والتجاذبات.. هل كان كلّ شيء فقط من أجل القرار التالي " تتكفّل الدولة بنسبة 50 بالمائة من معلوم البثّ لسنة 2020 لكلّ القنوات الإذاعيّة والتلفزيّة الخاصّة"!!!
ستخرج الحكومة وتشرح طويلا حقيقة الــ 50% وكيف أنّ رمزيّتها تغلب قيمتها الماديّة، ندرك أنّها يمكن أن تفعل ذلك، لكنّها ستخرج لتشرح المعادلة الماديّة وستتجاهل كما دوما المعادلة النفسيّة، ستشرح لـــ شهريات ما فوق "زوز ملايين" قد يفهمونها.. لكنّها كيف ستشرح للعامل اليومي محد ولد باشا الذي خرج من خنڨة الجازيّة إلى بئر الحفي يفتش على شكارة سميد" رطب.. أحرش.. ڨريفاي.. شرشور.." ما يهمّش، كيف ستقنعه بأنّ الملايين التي اقتطعتها الحكومة للمليونير أو للملياردير أو للبلياردير العياشي العجرودي، إنّما هي بادرة اعتباريّة أكثر منها ماديّة!!!
يبدو أنّ كلّ الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال تعرّفت على الشّعب من خلال بصمة الجسد وما زالت تائهة لا تعرف شيئا عن بصمة الروح.