ملاحظات تمهيدية
المرحوم الباجي قايد السبسي وما راكمه من تجربة سياسية داخليا وخارجيا مكنته من قراءة هادئة لرياح التغيير الحتمي في عالم عربي منهك بمنظومات سياسية تقليدية استنفذت اغراضها ولهذه الاسباب استثمر جيدا في رعب الخلجان من التحول التونسي ليصنع التوازن مع النهضة ثم جنح الى التسوية معها على قاعدة الانتصار للانتقال الديمقراطي …
حسبها الباجي من خلال اتجاه الريح في الاقليم ورغبة الاجهزة العميقة والاساسية للدولة في التخفف من العبء الاستبدادي وتوجهات العالم الحر ورفضه لتحمل ضريبة ايقاف المسار الانتقالي وفي قراءة جيدة لموازين القوة الشعبية الرافضة للردة.
لم يتردد الرجل في " الاستعصاء " عن املاءات الاعراب وفي القبول بتوصيات الجارة الكبرى وفي احالة الادوات الوظيفية لاعتصام الرحيل على البطالة مباشرة بعد انتخابات 2014.
الباجي قايد السبسي كان أفضل مخرجات القديم المتحول و هذا مفهوم بحكم السيرة السياسية للرجل الذي وقف على مسافة كافية منذ السبعينات بعيدا عن الجناح الفرداني الفاشي في الحزب الاشتراكي الدستوري و قريبا من الجناح الليبيرالي بقيادة المستيري و مجموعة الرأي و الذي تخلى سريعا عن بن علي بمجرد استيلاء الجناح الاستئصالي على التجمع الناشئ بعد تصفية الدساترة الانفتاحيين منذ اوائل التسعينات.
ازمة الانتقال الراهنة التي تفتح التجربة التونسية على مخاطر جمة هو الفراغ القيادي و التنظيمي للقديم المدقرط بعد تصدع النداء التاريخي و دخول لوبيات المال الجاهل في ترتيب المشهد التنظيمي للقديم المتصدع و فقدان القوى و الوجاهات الديمقراطية فيه للدعم مقابل الدعم السخي لفاشيي الصفوف الخلفية للقديم المخترق بأجندات خارجية و طموحات الايديولوجيات الخاسرة و الشعبوية الديماغوجية التي تنتشر في وضعيات الفراغ التي يخلفها فشل جديد لم يتبلور.
من مصاعب الانتقال ان الفراغ التنظيمي للجديد وتربع النهضة المنهكة كعنوان وحيد ووازن باسم هذا الجديد يسهل للقديم الفاشي والمخترق وللشعبوية الخاوية والايديولوجيات المهزومة استهداف الانتقال.
الانهيار السريع للقوى الديمقراطية الوطنية الاجتماعية.. التكتل.. الجمهوري.. المؤتمر والحراك. وضعف الرؤية الاستراتيجية لورثائهم.. التيار ...الشعب.. الكرامة. والغياب الفادح للقديم الديمقراطي بعد تصدع النداء وارتباك ورثائه ...تحيا وقلب تونس والاصلاح ...ادى الى فراغ استقطابي مزعج بين: النهضة / القديم الفاشي ...مما يجعل عموم النخبة الوسطية وجماهير الطبقة الوسطى التي من مصلحتها الانتصار للانتقال الديمقراطي تكون في وضعية وجودية محيرة: رفض المضادة يبدو وكأنه انحياز للنهضة ومواجهة النهضة سيبدو موضوعيا انحيازا للخيار الفاشي.
الحكومة الائتلافية التي تتوسع الى كل القوى المنتصرة للانتقال والشرعية القائمة (قديمها وجديدها) على قاعدة الاصلاحات الجذرية واستكمال بناء المؤسسات الديمقراطية + رئيس جمهورية يتم تذكيره باتجاه ومزاج قاعدته الانتخابية الواسعة التي ذهبت اليه دعما للإصلاح و الثورة و الانتقال ...يبدو ان هذين المعطيين هما الحاملان الاساسيان للوحدة الشعبية الديمقراطية ذات الافق الوطني و الاجتماعي بماهي البرنامج المرحلي الوطني في مواجهة المؤامرة الداخلية و الخارجية على الارادة الشعبية لحدث 14/ 17 ....
الدفع الى وحدة القديم الديمقراطي وملء الوسط الديمقراطي الاجتماعي هو كلمة السر الوحيدة للقوى الوطنية والديمقراطية وانجاز الصلح الوطني الشامل الذي فشلت في انجازه هيئة الحقيقة والكرامة. تلك هي الكلمة التي ستزعج تحالف الفاشيات الداخلية والخارجية المتمعشة من الفراغ الاستقطابي.
عندما نحلل ونفكك نظرة ورؤية الاعراب وحلفائهم الصهاينة
عندما نحلل ونفكك نظرة ورؤية الاعراب وحلفائهم الصهاينة والوظيفيين لتجربتنا التونسية بالأدلة والمعلومة والتدقيق في صياغاتهم الاستراتيجية فنحن لا نفعل ذلك من موقع ما نراه من خوف مرضي او من رضى كاذب عن النفس بل من موقع الدفع نحو صياغة مشروعنا الوطني المشترك على قاعدة مكسبنا التونسي الذي يجب ان نفخر به باعتبارنا اول الشعوب العربية الذي دشن دخول العرب الى العصر الديمقراطي الحديث.
لا نشك لحظة واحدة ان التجربة التونسية كانت وستظل مستعصية عن نظم الفشل والخيبة والهزائم التي لم ولن تفلح في شيء فما بالك بهزمنا ...ولكننا نريد الدفع نحو جدية الانطلاق في الانجاز الوطني المشترك لبناء تونس المعاصرة.. الديمقراطية والقوية والعادلة والحاضنة لكل ابنائها وكما كانت ارض التجديد الديني في تحرير الانسان من نير العبودية واضطهاد المرأة ستكون ارض تحرير الثروة من الاستعمار و نهب الفاسدين و العائلات المتنفذة و تحرير السياسة من انظمة البوليس و حكم الاسر و المافيوز ... درسا بليغا لنظم الريع البترولي و دول كثبان الرمال و حكم المسدس و المندوب الاجنبي …