أَثَر الانفجار بلغ أشخاصا بعيدين عن المكان عشرات الكيلومترات أصيبوا وسالت دماؤهم ولكنّ الأثر كان أبعد من ذلك.. أبعد بكثير.
لقد أصابنا وأسال دماءنا نحن أيضا هنا وهناك، وذكّرنا أنّ المأساة ليست فرديّة أو قطريّة. تماما كما تُصيبنا مدن عربية أخرى وتُسيل دماءنا كلّ يوم: حلب وصنعاء وبغداد.. الانفجار ذكّرنا أنّ مدنا عربية كثيرة تنام كل ليلة وهي تتوسّد آلاف الأطنان من "نترات الأمونيوم" وهي في حالة اشتعال دائم والإنسان فيها في موت يوميّ. مدن يتيه فيها العقل والشعر والجمال ويُهيمن القبح والطائفية والفساد وحكم الألوغارشيا. مدن القهر والفقر والحشيش كما نعتها الشاعر يوما.
خراب بيروت التراجيدي صورة مضخّمة للخراب العربي الذي يختزن في عنابره كلّ دواعي الاشتعال. في كلّ مدينة عربية عنبر رقم 12، وبيروت اختزنت موتها إثر مرور باخرة سنة 2014 بالمياه الاقليمية اللبنانية باتّجاه السواحل الافريقية تحمل أطنان "نترات الأمونيوم". قدر أحمق الخطى جعل الباخرة تتعطّب هناك؟
وتتوقف لإصلاحها وكانت فرصة لبعض رجال الأعمال اللبنانيين الذين لدهم مشاكل مع مالكي سفينة الموت لرفع دعوى ضدّه ومصادرة حمولة الباخرة (رغم خطورتها القاتلة) وتخزينها في منطقة مليئة بالحياة والنشاط. مشهد لتحكّم قوى المال في المرافئ العربية لا يختلف عما قد نراه في مرافئنا التونسية (ميناء رادس تحديدا) أو مرافئ عربية أخرى حيث يبلغ توحش السوق مداه. في كلّ مدية عربية عنبر موت.
" نترات الأمونيوم" البلّوريّة المضيئة التي تنام بيروت ليلا هانئة منذ 6 سنوات وهي تضعها في قلبها، تضيء حقيقة بيروت وبقية المدن العربية التي تنام كلّ يوم على فجيعتها، دون وعي بحجم الكارثة التي تحملها في قلبها، ودون وعي بحجم ما يخطّط لها والمصير الذي يراد لها، مادامت منظومات الحكم العابثة هي التي تقبض عليها، ومادام الجرمون لا يحاسبون على إجرامهم التاريخي.
شظاياك بلغتنا يا بيروت، ونافذتي تهشّم بلّورها، ودمي سال. ولا حلّ سوى ما رفعتموه من شعار:
كلن يعني كلن
هنا وهناك.