جزء من أزمتنا السياسية التي نعيش مردّها زعامات أبديّة تأبى التخلي عن مواقعها في السلطة أو في النقابات أو داخل الأحزاب ولو كان حزبا معارضا وهو أمر لا يتعلّق بحزب النهضة فحسب مع أنّ الغبار الذي يتصاعد حول المسألة اليوم مردّها بيان المائة داخل حزب النهضة الذي أعلن تمرّده على زعيمه، بل يتعلّق بزعامات مؤبّدة لنقابات ولأحزاب تشكّلت حول الزعيم وظلّت مسكونة بروح الزعيم حتى تلك التي نشأت منذ العهد البورقيبي لتعارض سلطة الزعيم الأوحد في تونس.
زعماء بحراشف وبجلد خشن لا يهترئ رغم الزمان. صورة للتمساح بجلده السميك المغطى بالحراشف. والحرشفة تلك القطعة الصلبة التي تخرج من جلد التمساح لتحميه من الضربات وتتشكّل عبر السنوات وتغطّي عادة الأجزاء التي تتعرّض في الغالب لضغط فيزيائي.
إنّها الزعامة التي تدوم دوام عمر التماسيح ولا تعترف بفعل التهرئة الذي يتمّ بفعل الزمن المفني وبفعل الطرق المستمرّ "للأعداء". والحقيقة أنّي أندهش دوما لإصرار "الزعماء" على البقاء وعلى عدم الانسحاب في الوقت المناسب من نهر السياسة الكدر رغم التململ الذي قد يتحوّل إلى انشقاق وتصدّع، فهل أنّ الأمر يتعلّق ببنية نفسيّة وبعلاقة "زعمائنا" بالسّلطة التي قد تصل حدّ جنون العظمة؟
أم أنّ الأمر يتعلّق بجيناتنا الموروثة المتّصلة بالإنسان هنا؟ أم هما الأمران معا مع عوامل أخرى متشابكة تتعلّق خاصّة بتصوّر قديم للسلطة ماقبل ديمقراطي لا يقطع مع سلطة الأب ومع قائد الأمة ومع إمام الرعية؟ أم أنّه بكلّ بساطة يتعلّق بمنافع ومصالح ضيّقة وأخرى طبقية؟
زعماء بحراشف يتسلّحون بالجلد الخشن لمواجهة الزلازل الخارجية والداخلية داخل مناخ سياسي عنيف وعدواني وغير ديمقراطيّ حتى الآن يحتاج إلى جلد تمساح لتدخله. مناخ لا يلائم هؤلاء الذين يعيشون بلا جلد حرشفي فتأخذهم هبّة هواء وتردّهم وتدمي أجسامهم العارية رصاص الكلمات وعنف التقلّبات والصراعات وسرعة التحوّلات، فينسحبون في صمت ليتركوا الساحة لسياسيين بجلد تمساح.
إن كنت بروح شاعرة وأحلام عالية فلا يمكن أن تظلّ داخل هذه المناخات. ستهرب. غير أنّ ما يقوله نهر التاريخ أن لا دوام لأحد، وأنّ زعماء كبارا انتهوا صغارا، وأنهوا أحزابهم بل دولهم بتمسّكهم بالبقاء إلى الأبد. الأبد الذي لا وجود له في معيار التاريخ البشري.